عطية محمد عطية عقيلان
نشأت حركة الصعاليك أيام الجاهلية وضمت مجموعة من أبناء القبائل الثائرين على الأعراف والقيم، ولكل واحد منهم قصته وسببه الخاص «للصعلكة»، وكان عمرو بن الورد من أشهرهم بل أطلق عليه أمير الصعاليك، وأضفى عليها نوعا من الاحترام بما يتحلى به من مكارم الأخلاق والكرم والشجاعة والفروسية، وقد قال فيه الخليفة عبدالملك بن مروان «من قال إن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد»، وكان الصعاليك يسرقون من الأغنياء ليساعدوا الفقراء والمحتاجين كما أنهم يردون الحق لأصحابه عند الانتخاء بهم وهي النسخة العربية لروبن هود الغرب الذي خلدت قصصه وأنتجت له الأفلام لبيان دوره وإنسانيته في المجتمع والتي لم يحظ بها صعاليك العرب رغم أقدميتهم، وما روي عنهم من قصص الشجاعة والإقدام والفصاحة في البيان ونظم الشعر. واشتهر العديد من الصعاليك منهم تأبط شرًا ثابت بن جابر والشنفرى ومالك بن الريب قبل أن يتوب ويعود إلى رشده وينضم إلى جيش ابن عفان الذي قال قصيدة قبل موته ويقال إنه أول من رثى نفسه بالشعر، وهناك قصص وأساطير عن الصعاليك ودورهم في نصرة المظلوم وأخذ حق الضعيف أسوة بما يروى عن روبن هوود مع مبالغة في تمجيد دورهم. إلا أن الصعلوك حديثا ناله التحور والتلون والتغير في ثقافتنا المعاصرة وأصبحت تعبر عن مسبة وتطلق للدلالة على سوء الخلق والخروج عن المألوف، طبعا مع فقدان الصعلوك الإلكتروني الحديث لصفة الشجاعة والإقدام والعدل والحق والمساعدة للمحتاج فقط أخذ من الصعاليك في الجاهلية أسوأ الصفات من خروج على القيم والأعراف والثوابت والهيمان بلا هدف أو منفعة.
لذا عزيزي القارئ ومستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والمغرد والكاتب لا تتحول إلى «صعلوك إلكتروني» وتستسهل الخروج على الأخلاق وكيل الاتهامات للآخرين والسب وسوء الخلق والطعن في الناس، ونشر ما يفسد الذوق العام، حتى ولو كان ما تغرد به أو تصوره لحياتك الخاصة وجسمك وتصرفاتك مضحكا ومسليا ويجد تفاعلا وتأثيرا من متابعيك، ولا تغتر بأنك تدخل تحت اسم مستعار أو غير صحيح لأن أثره عليك في الدنيا والآخرة مرصود، وتأثيره على أبنائك ووطنك لن يخفى على رب العباد والأجهزة الأمنية، واعتبر من الصعاليك فمهما حملوا من ألقاب أو صفات إلا أن أسماءهم وعائلاتهم وقبائلهم معروفة رغم التخفي بأسماء مستعارة خجلا بما يقومون به، وقد تم نبذهم في الجاهلية رغم اتصاف بعضهم بمكارم الأخلاق والشجاعة والإيثار وقول الحق والعدل، فكانت هذه الجماعة منبوذة حتى ولو كان بها جانب إيجابي لأن الصفات العامة كانت خارج المقبول والمألوف، لذا عزيزي من تحاول أن تكون صعلوكا حديثا تذكر أن سيرة «الصعاليك» غير حسنة رغم بعض مآثر بعضهم الإيجابية، وحاول أن تترك أثرًا وتأثيرًا في خدمة وتطوير نفسك ومجتمعك، وطبق في صعلكتك الحديثة إن كان لابد منها مقولة الأمريكي جاك كانفيلد «ابتعد عن الأشياء المزعجة لتعطي الأشياء الجيدة فرصة أن تدخل حياتك»، ولنتعظ من فايروس كورونا الذي تحور ليكون أكثر فتكا وغير جيناته لتكون أكثر ضررا، فلتكن صعلوكا متحورا ولكن أكثر إيجابية وتقديما للقيم وتخليدًا لمكارم الأخلاق وترك أثر يدعوك للفخر ويعود عليك بالثواب، وتطمح أن تكون كما وصفهم الإمام الشافعي:
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات