إعداد - صبار عابر العنزي:
حظي بشعبية كبيرة بين جماهير الرياضة في مختلف بلدان العالم، وقد استطاع بفضل موهبته وتألقه وإبداعه في لعبته، أن يجعل من لعبة الملاكمة من أشهر الألعاب الرياضية بالعالم وكادت أن تسقط الساحرة المستديرة لعبة كرة القدم من عرش شعبيتها.
تميز عن غيره من المنافسين بمهارته الفائقة فوق حلبة الميدان، فتراه وكأنه يحلق بجناحين رشيقين وهو يحوم حول منافسه ومن ثم ينقض عليه بخفة وسرعة كأنه نحلة مسرعة لكن لدغته تشبه لدغة ثعبان الكوبرى المميتة، فيسقط منافسيه على الأرض بالضربة القاضية مرارًا وتكرارًا.
حظى بفضل تألقه ومهارته على لقب بطولة العالم على مدار ثلاث مرات في الملاكمة للوزن الثقيل، وأيضاً توّج بفضل تاريخه الرياضي الحافل على لقب «رياضي القرن» متفوقًا على رياضيين آخرين كبار في ألعاب رياضية أخرى...
ولد لاعب الملاكمة الشهير محمد على كلاي، في السابع من يناير لعام 1942 بولاية كنتاكي الأمريكية لعائلة أمريكية سوداء، وكان اسمه الحقيقي «كاسيوس مارسيلوس كلاي جونيور»...
حكاية اعتناقه للإسلام
اعتنق الإسلام في عام 1964م وغيَّر اسمه إلى محمد علي دون اسمه الأخير -كلاي- فاز كلاي ببطولة العالم للوزن الثقيل ثلاث مرات على مدى عشرين عاماً في 1964 و1974 و1978، وفي عام 1999 توّج بلقب «رياضي القرن» وهي جائزة مقدمة من مجلة «سبورتس ايلاستريتد»، كما حصل على نفس اللقب بعد استفتاء أقامته صحيفة لاغازيتا ديلو سبورت الإيطالية بعدما حصل على 71.2 % من الأصوات متفوّقاً على العديد من الرياضيين ومنهم دييغو مارادونا.
كان يصف نفسه بأنه «يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة»، وهو صاحب أسرع وأقوى لكمة في العالم، حيث تعادل قوتها حوالي 1.000 باوند.
اعتزل الملاكمة عام 1981 وعمره 39 عامًا، بعد مسيرة حافلة تضمنت 56 فوزا منها 37 بالضربة القاضية وخمس هزائم، وتوّج باللقب العالمي ثلاث مرات مختلفة، في 26 مايو 2000 تم سن قانون باسمه من طرف الكونغرس عرف بقانون علي من أجل حماية حقوق الملاكمين.
دخل حلبة الملاكمة بالصدفة
بداية محمد علي في عالم الملاكمة جاءت بمحض الصدفة حين كان في الـ12 من العمر, حقق عدة ألقاب على المستويين المحلي والوطني وهو دون الـ18، ونال الميدالية الذهبية لأولمبياد روما الصيفية عام 1960 عن فئة وزن الخفيف الثقيل، وفي أكتوبر عام 1960 اتجه اللاعب إلى عالم الاحتراف، حيث خاض خلال السنوات الثلاث التالية 19 نزالاً فاز فيها جميعًا، من بينها 15 بالضربة القاضية، كما حقق المفاجأة في فبراير عام 1964 بهزيمته لبطل العالم في الملاكمة -آنذاك- سوني ليستون، وفاز بلقب بطولة العالم لملاكمة المحترفين للوزن الثقيل للمرة الأولى، مسجلاً حينها رقماً قياسيًا كأصغر ملاكم (22 عامًا) يحقق لقب البطولة في هذا المجال.
سبب اعتناقه للإسلام
اعتنق محمد على كلاي الإسلام، بعدما سمع لإحدى خطب رجل الدين الإسلامي «إليجاه محمد» وهو ينتمى لجماعة إسلامية تسمى نفسها «أمة الإسلام».
في الواقع، رُفِض محمد علي في بداية انضمامه إلى جماعة أمة الإسلام (وأطلق عليه وعلى الأمريكيين من أصل إفريقي في ذلك الوقت، المسلمين السود) وذلك بسبب امتهانه الملاكمة.
ولكنه وفي عام 1964 وبعد أن استطاع محمد علي إقصاء الملاكم سوني ليستون عن عرش الملاكمة وكان عمره لا يتجاوز 22 عاماً آنذاك، أصبحت جماعة أمة الإسلام أكثر تقبلاً له ووافقت على تجنيده كعضو فيها.
بعد ذلك بوقت قصير، سجّل إليجاه محمد بياناً أن كلاي سيطلق عليه اسم محمد (على اسم نبي الإسلام) وعلي على (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وانتقل محمد علي في ذلك الوقت إلى الجانب الجنوبي من شيكاغو، وعاش في سلسلة من المنازل، كانت كلها بالقرب من محل إقامة إليجاه محمد ومن المساجد التابعة لجماعة أمة الإسلام ومكث في شيكاغو لمدة 12 عاماً.
ولم يستمر انضمام محمد علي إلى جماعة أمّة الإسلام طويلاً، حيث كان يختلف مع الكثير من أفكارهم فاعتنق الإسلام السني مذهب أهل السنة والجماعة, ثم أنشأ أعماله الخيرية والدعوية محاولاً تصحيح الصورة الخاطئة التي رسخت في أذهان الغرب عن الإسلام والمسلمين وقد كان يفتخر بأنه مسلم سني.
معارضته للحرب الأمريكية على فيتنام
عام 1964م رسب محمد علي في الاختبارات المؤهلة للالتحاق بجيش الولايات المتحدة لأن مهاراته الكتابية واللغوية كانت دون المستوى، وفي بدايات عام 1966 م تمت مراجعة الاختبارات وصنف محمد علي على أنه ينتمي للمستوى (1أ)، مما يؤهله للالتحاق بالقوات المسلحة, كان هذا في غاية الخطورة لأن الولايات المتحدة كانت في حالة حرب مع فيتنام، عندما تم إخباره بنجاحه في الاختبارات، أعلن أنه يرفض أن يخدم في جيش الولايات المتحدة واعتبر نفسه معارضاً للحرب.
قال محمد علي كلاي «هذه الحرب ضد تعاليم القرآن، وإننا - نحن المسلمين - ليس من المفترض أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله»، كما أعلن في عام 1966 «لن أحاربهم فهم لم يلقبوني بالزنجي».
عارض الحرب فسحبوا منه لقب بطل العالم
وفي عام 1967 في قمة انتصاراته في عالم الملاكمة، تم سحب اللقب منه بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام اعتراضاً منه على الحرب شأنه شأن الكثيرين في ذلك الوقت وكان قد تلقى دعماً من العديدين في معارضته وقد تكبد الجيش الأمريكي خسائر كبيرة في تلك الحرب كما توقع.
عاد محمد علي للملاكمة مرة أخرى عام 1970 في مباراة وصفت بأنها (مباراة القرن) ضد جو فريزر، حيث لم تسجل هزيمة لأي منهما في أي مباراة من قبل، وكانت مباراة من 3 مباريات متفرِّقة فاز محمد علي باثنتين منها، وفي عام 1974 هزم محمد علي الملاكم القوي فورمان ليستعيد بذلك عرش الملاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره.
انتصارات عديدة وهزائم معدودة وتميز بالضربة القاضية
لعب النجم محمد علي 61 مباراة منها 56 انتصاراً (37 بالضربة القاضية) و5 خسارات أولها أمام الملاكم جو فريزر في 8 مارس 1971 ، وثانيها أمام كين نورتون في 11 مارس 1973 ، وثالثها أمام ليون سبينكس عام 1978 ، ورابعها أمام لاري هولمز في 2 أكتوبر 1980 ، وخامسها أمام تريفور بربيك في 11 ديسمبر 1981 .
جولات لا تُنسى في ذاكرة محمد علي كلاي
كان مخططًا لمحمد علي مقابلة بطل رابطة الملاكمة العالمية إيرني تيريل، وذلك في شيكاغو في مارس 1966م وفي ذلك الوقت كان قد سُحب من محمد علي لقبه بعد اعتناقه الإسلام ورفضه المشاركة في حرب فيتنام، وبدلاً من الانخراط في الحرب فقد سافر محمد علي إلى أوروبا وكندا لخوض مباريات ضد هنري كوبر وجورج كابالو.
قاتل محمد علي إيرني تيريل في هيوستن عام 1967 ويعتبر تيريل ثاني أصعب منافس لعلي بعد ليستون، وهو ملاكم لم يهزم على مدار خمس سنوات، وبعد أن هزم العديد من الملاكمين كان على محمد علي مواجهته، لقد كان تيريل كبير الحجم والقوة، يفوق طوله طول علي بثلاث بوصات, وخلال الفترة التي تسبق المباراة، أهان تيريل محمد علي مرارًا وتكرارًا في وسائل الإعلام مناديًا إياه باسمه القديم «كاسياس كلاي» قاصدًا إزعاجه بذلك.. وأضاف «أريد تعذيبه بالضربة القاضية» مما جعل محمد علي مصممًا على الانتقام منه ووجه لتيريل جملته الشهيرة في أحد اللقاءات التليفزيونية «لم لا تناديني باسمي يا رجل؟ لم أقل لك أن اسمي ليس هو كاسياس كلاي وإنما اسمي هو محمد علي، سأعاقبك وأجعلك تنطق اسمي الحقيقي داخل الحلبة بعد المنازلة إن لم تنطقه الآن».
وبالفعل وفي الجولة السابعة من المباراة بدأت الدماء تسيل من وجه تيريل وفي الجولة الثامنة، سخر علي من تيريل، موجهًا له الضربات له صائحًا «ما هو اسمي ... ما هو اسمي؟» وفاز علي بتلك المباراة وأجبر الجميع على احترام اسمه الجديد.
وادّعى تيريل أنه في وقت مبكر من المباراة تعمد محمد علي إصابته في عينه اليسرى مما اضطر تيريل لاستكمال المباراة وهو نصف أعمى, ووصف النقاد المباراة بأنها «واحدة من أبشع معارك الملاكمة» كما كتب النقاد «لقد كانت مظاهرة رائعة من مهارة الملاكمة وعرض البربرية الوحشية» ولقد نفى علي الاتهامات الموجهة له بالقسوة على خصمه قائلاً «أنا لم أكرهه، لم أحبه ولكني لم أكرهه، ولكنه لم يكن يمزح بشأن اسمي، كان يتعمد الإهانة وأنا لا أقبل الهزل فيما يخص ديني واسمي».
الفوز على جو فريزر وحصد بطولة العالم
في عام 1970 سمح لمحمد علي بالملاكمة مرة أخرى للحصول على لقب البطولة ضد جو فريزر الذي صنف بأنه لا يهزم علي وفرزير تواجهوا في عام 1971 في حلبة مديسون وكانت تدعى مواجهة القرن لأن الملاكمين لم يهزما من قبل، والاثنان يسعيان للفوز بالبطولة. استطاع فريزر الفوز بلكمة قوية وبهذا ألحق بكلاي أولى هزائمه لكن محمد علي فاز بالعديد من المباريات بعد ذلك.
في عام 1973 وبعدما هزم كين نورتون أقوى ملاكم في الوزن الثقيل في وقتها انطلق لمواجهة فريزر في البطولة مرة أخرى لكن هذه المرة استطاع محمد علي الفوز والحصول على لقب البطولة.
مواجهة الغابة أعظم انتصار لـ»كلاي»
في واحدة من أقوى مباريات في تاريخ الملاكمة استطاع محمد علي الانتصار على الملاكم القوي جورج فورمان في زائير سنة 1974 وكانت المباراة في غابة لذا سميت بملاكمة أو مواجهة الغابة, وفي الواقع لم يتوقع أحد انتصار محمد علي على فورمان بسبب قوة هذا الأخير والذي استطاع الانتصار على فريرز بنتيجة ساحقة...
وفي إجمالي الإحصاءات فإنه أوقع به بلكمة واحدة 6 مرات في 4 دقائق 30 وثانية.. لكن وبتكتيك مدهش استطاع محمد علي الانتصار على فورمان والحصول على اللقب وكانت مواجهة الغابة الموضوع الفائز للأفلام الثقافية في عام 1996 وصنفت المباراة بأنها سابع أعظم لحظة رياضية في التاريخ.
إصابته بالشلل الرعاش ثم الرحيل
أصيب محمد علي في عام 1984 بداء باركنسون (الشلل الرعاشي)، وتدهورت حالته الصحية في عام 2005 بشكل ملحوظ، وتوالت بعدها نكساته الصحية، حيث كان يمضي فترة من الوقت كل سنة في مستشفى في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، ونُقل في فبراير 2013 إلى المستشفى وصرّح شقيقه رحمن علي لصحيفة نيويورك بأنه في حالة حرجة وقد يرحل في أيّ لحظة، قبل أن تنفي ابنته ذلك، كما عانى من التهاب في الرئة والبول أُدخل على أثره المستشفى عامي 2014 و2015، وفي الثاني من يونيو عام 2016 أدخل كلاي المستشفى مُجدداً بسبب مشكلة في التنفس، وبعدها أكّدت الصحف والقنوات العالمية أن الملاكم الأسطوري يحتضر فعلاً، وأن عائلته تتجهز لإجراء مراسم الدفن بعدما أعلن الأطباء أنه على وشك الموت، قبل أن تُعلن وفاته صباح 3 يونيو 2016م وقالت عائلته إن تشييع الجنازة سيكون في مسقط رأسه لويفيل، كنتاكي.