د. عبدالحق عزوزي
وقع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستنفي مع وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي مؤخراً على خارطة طريق جديدة للتعاون بين القوات الخاصة للبلدين بهدف تعزيز الجهود الدولية في الحرب على الجهاديين. وخارطة الطريق هاته لا تعني منطقة بعينها وإنما هي عامة، ذلك أن البلدين منخرطان في مكافحة الجهاديين في مناطق كثيرة، حسب ما قاله المتحدث باسم البنتاغون الأمريكي.
ويأتي توقيع هذه الاتفاقية في وقت تقلص فرنسا وجودها العسكري في منطقة الساحل وتنسحب فيه الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان.
فبالنسبة لمنطقة الساحل، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن فرنسا ستباشر بإغلاق قواعدها في شمال مالي «خلال الأسابيع القادمة» و»سيستكمل بحلول مطلع العام 2022»، في إطار خفض عديد القوات الفرنسية التي تقاتل المتطرفين في منطقة الساحل؛ وهناك 5100 عسكري فرنسي حالياً منتشرين في منطقة الساحل الصحراوي منذ ثمانية أعوام وهذا التواجد الفرنسي كلف باريس موارد مادية هائلة إضافة إلى مقتل 50 عنصراً منها خلال معارك مختلفة.
وصرح الرئيس ماكرون خلال مؤتمر صحافي في أعقاب محادثات قمة مع قادة بلدان مجموعة دول الساحل الخمس لتعزيز مكافحة المجهودات الجهادية في المنطقة، أن إغلاق القواعد في كيدال وتيساليت وتمبكتو «سيستكمل بحلول مطلع العام 2022». كما لفت إلى أن عملية إغلاق قواعد قوة «برخان» المناهضة للجهاديين في شمال البلاد ستبدأ في «النصف الثاني من العام 2021».
أما في أفغانستان، فتواصل حركة طالبان تقدمها في البلدة بهدف الاستيلاء على مناطق جديدة والتسبب في انهيار الحكومة الأفغانية بعدما فرضت سيطرتها على مناطق في شمال شرق البلاد. ويأتي ذلك في وقت أشرفت فيه عملية انسحاب الجنود الأمريكيين من هذا البلد على نهايتها؛ إذ يتوقع أن تنتهي عملية إجلاء جميع الجنود الأمريكيين المتواجدين في أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل وفق خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس جو بايدن؛ لكن يبدو أن تاريخ نهاية هذا الإجلاء بات أقرب زمنياً. وبدورها، أعلنت ألمانيا إنهاء عملية انسحاب قواتها العسكرية من أفغانستان، شأنها شأن إيطاليا التي أكدت أنها قامت بإعادة جنودها إلى أرض الوطن في إطار خطة انسحاب القوات العسكرية التابعة لمنظمة الحلف الأطلسي.
ماذا يقع؟
الذي يقع بالضبط في النظام العالمي الجديد هو أن الانسحاب العسكري الأجنبي في دول الصراعات أصبح قاعدة سياسية للعديد من دول العالم بما في ذلك أمريكا وفرنسا؛ وهاته القاعدة بدأت تعرف تجسيداً لها مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عرش البيت الأبيض... فلا يوجد أي سبب إستراتيجي مثلاً يدفع الأمريكيين إلى إعادة نشر قواتهم في أفغانستان لأن هذا كان سيشكل «انتحاراً سياسياً» لجو بايدن؛ كما أن فرنسا مع قرب الانتخابات الرئاسية وتأزم الأوضاع في منطقة الساحل أدت برئيسها إلى أخذ قرار الانسحاب العسكري من المنطقة.
وما هي تداعيات كل هذا؟
ستصبح منطقة الساحل قاعدة للهجوم والتوسع المهول للجهاديين المرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية». خاصة وأن العديد من تلك المناطق هي مناطق صحراوية شاسعة مهملة من السلطات المركزية لضعفها وضعف إمكانياتها البشرية والمادية.
أما في أفغانستان فتقوم حركة طالبان حالياً بامتحان القوات الدفاعية لنظام كابول؛ وهدفها هو السيطرة على أكبر عدد من المقاطعات والأقاليم لتطويق المدن الكبرى. ولقد نجحت لحد الساعة في خطتها. والدليل على ذلك سيطرتها على مناطق شاسعة من البلاد، فيما بسطت سيطرتها منذ بداية السنة على 70 مقاطعة من بين المقاطعات الـ 370 المتواجدة في أفغانستان. والراجح أنها ستقوم بعزل المدن والسيطرة على جميع وسائل الاتصال التي تربط هذه المدن فيما بينها لكي تفلت من السيطرة الحكومية؛ وفي حال تمكنت طالبان من الاستيلاء على هذه المدن، فهذا يمكن أن يقود إلى انهيار الحكومة.
خلاصة القول إن عودة الجهاديين المتطرفين إقليمياً ودولياً مسألة وقت كما أن أمريكا وفرنسا والفاعلين الكبار في النظام العالمي يعرفون ذلك جيداً؛ وستملك المجموعات المتطرفة المقبلة مناطق شاسعة وفرقاً قتالية قوية متخصصة في الهجمات المحلية والدولية وعتاداً عسكرياً كبيراً... فكل شيء يتطور بسرعة فائقة والتاريخ يعيد نفسه للأسف الشديد والنظام العالمي سيصبح رهين المصالح السياسية للدول الكبرى وعودة الأنانية وقواعد اللعب الإستراتيجية الخبيثة والخطيرة....