أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أشدِّ المسؤوليات التي تواجه الوالدين اليوم مسؤولية التخطيط الجاد لمستقبل أولادهم، خاصة من هم على مفترق الطرق بعد أن تخرجوا من المرحلة الثانوية، وصاروا على أعتاب الجامعة التي هي مرحلة جديدة في حياة الشاب والفتاة وتختلف في كثير من تفاصيلها عن حياتهم السابقة.
مكمن الصعوبة في القدرة على استشراف المستقبل الوظيفي في ظل السوق العالمي الجديد الذي فرض وسيفرض في قادم الأيام التوجه الكامل إلى تخصصات علمية لم يكن أصلاً لها وجود في الزمن الذي كنا نحن الآباء فيه متابعين بشكل جيد لإيقاع حركة السوق وتفاعلاته ومتطلباته. ولذا من الأهمية بمكان أن نكون قادرين على معرفة ولو أبجديات التخصصات التي كانت جميعاً تجتمع تحت تخصص واحد فصارت اليوم بناء على متطلبات المرحلة جراء الثورة الصناعية الرابعة فروعاً ومسارات عدة لها وزنها وثقلها ومميزاتها التي نسمع عنها ولسنا على اطلاع ولو يسير على بعض مفرداتها، ولا نعلم بشكل كامل ودقيق سر اتجاه السوق المحلي والعالمي لها بشكل كبير. أو - وهو الخيار الذي أضعفه ولا أحبذه ولكنه هو الأقرب للصواب في نظر شريحة عريضة من الأباء- أن نتجنب توجيههم لتخصص نظن نحن أنه الأفضل لفلذات أكبادنا في مستقبلهم العلمي والوظيفي، معتمدين فيما نصحنا به وأشرنا فيه على اعتبار ما كان، فالزمن غير الزمن، والتسارع جعل العالم يعيش التغير في كل شيء حتى صارت التقنية الذكية صنو الإنسان ونده، والمنافس الحقيقي له في سوق العمل وكسب لقمة العيش.
بصراحة تامة حين تريد أن ترسم ملامح حياة أولادك العلمية والوظيفية، استعن بالله أولاً وأكثر لهم الدعاء فالقادم غيب ولا يعلم ما هو في رحم المستقبل إلا الله، ثم استشر من تثق به ممن يعايشون الواقع ويتعايشون مع السوق. ولابد أن تفكر وأنت تدير الأمر وتتأمل فيه بعقلية اليوم، وتتجاوز ما كان بالأمس، أخلع عنك جلباب القرن العشرين، وعش زمن القرن الحادي والعشرين الذي صارت ملامحه إلكترونية لا ورقية. نُعي القلم، ودُفن الدفتر، ورحم الله الكتاب، فهل بعد هذا يمكن أن تبقى بعيداً عن عالمنا الجديد؟ ليس لرسم معالم حياتك أنت، بل لتكون عوناً لمن هم أمانة في عنقك (أولادك) في امتلاك مهارات ومعارف وفنون وخبرات جديدة قد لا تعرفها أنت، تؤهلهم هذه المكنوزات والمكونات الأساس في خوض غمار حياتهم المستقبلية، وسلوك سبيل طلب لقمة العيش بكل مهنية واحترافية واقتدار. رزقنا الله وإياكم صلاح الأبناء، وعيش السعداء، ووفق أولادنا جميعاً للحصول على مقاعد جامعية في التخصصات التي يرغبون، وتؤهلهم لمستقبل أفضل، وغد أجمل، وإلى لقاء والسلام.