تقريبًا منذ عهدت نفسي أميل للقراءة وعالمها الواسع الرحب، أميل للخيال بكل الأبواب التي يفتحها لك على مصراعيها بكل الأجنحة التي يهبها لك كي تحلق بعيدًا إلى أماكن لا تصلها قدماك القصيرتان في هذه الحياة، مذ عرفتُني أعشق الروايات وألتهمها التهامًا وأنا أحلم أن أكون يومًا من أصحابها.
لطالما حلمتُ أن يخرج من رحم قلمي كتاب، مولود صغير يحمل فكري وكلماتي وخيالي، ثم يُطبع عليه اسمي، اليوم كان لي حلمي هذا وشرفت بمشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب، مجموعة قصصية بعنوان «عَبْر العُمر» ولكم أن تتخيلوا مدى سعادتي بهذا، بالطبع أثملني تحقق الحلم، بالطبع طرت بوليدي فرحًا، وتمنيت من قلبي أن يلقى إعجابًا من أحدهم حتى إن كان هذا الأحد واحد فقط!
لكن بعد مطالعتي للكتب الحديثة التي شاركت في معرض هذا العام هالتني ظاهرة ما لاحظتها قبلاً: الكل صار يكتب!!
هناك فيضان انفجر اسمه المؤلفون الشباب الحديثون، مئات الروايات والمجموعات القصصية الصادرة حديثًا عن مختلف دور النشر، وبعد التدقيق في تقديم كتابها لها اكتشفت أن عشرات منهم لم يكن لهم باع لا في قراءة أو كتابة مسبقًا وأن إلهام الرواية الجديدة قد هبط عليهم من السماء فجأة!! وتقريبًا ثلاثة أرباع الكتب معنونة بعناوين تبدو وكأنها سحر أسود!! في الحقيقة قرأت عشرات الحكايا عن الأساطير اليونانية القديمة وأعلم أن كل هذا الخليط من الأسماء العجيبة إنما هو لواحد من تلكم الكائنات الأسطورية أو لمسمى ما هليوغروفي أو روماني أو غيرها، لكن كثرتها وطغيانها هما ما أثارا ارتياعي! وكأنك قد صرت وحيدًا ومهجورًا ومغضوبًا عليك باختيارك اسم عربي عادي!! فضلاً عن أن الروايات صارت تعج بقصص العفاريت والوحوش والدمى التي تتحرك والجن الذين ليس لهم من عمل سوى سكنى البشر!
أرجو ألا يُساء فهمي، فهذا شيء جميل على عدة أصعدة، فلا أنكر أن ثلة كبيرة من فئة المؤلفين الصاعدين هذه هي فئة قارئة، تدرجت طفولته فمراهقته فشبابه بين قراءات شتى لكتب روايات وغيرها مما يعني قطعًا أن هنالك مواهب حقيقية وسط كل هذا الزحام، وأتيحت لهم فرصة ذهبية لكي تخرج موهبتهم هذه إلى نور القارئين والمجتمع الأدبي، لكن في المقابل هناك غثاء حقيقي!!
هناك إسفاف وركاكة فظيعة في أغلب هذه المؤلفات، ومع الأسف دور النشر صارت تنشر لأيهم طالما يدفع لهم ثمنهم دون تدقيق أو مراعاة جادة لما يصدر عنهم، وبالنتيجة اندفنت المواهب الحقيقية وسطهم! وعزف القراء بالتالي عن الشراء لأي كاتب وليد ولا ألومنهم على موقفهم هذا فما كنت لأتصرف بخلافهم.
فجأة وجدتني ليست عندي أدنى رغبة بالإعلان عن مجموعتي القصصية بعد أن صارت الإعلانات أشبه بالشحاذة فكل سؤال عن أمر يخص المعرض تنهال إعلانات الكتب الحديثة بالمئات أسفله في التعليقات، بل وصرت أتمنى ألم أتعجل في إصدار كتاب، ووجدتني أيضًا فاقدة الرغبة تمامًا في أن يُنشر لي كتاب جديد دون أن أكون قد قضيت على الأقل أعوامًا أنقح نصي وأهذبه وأقتنع به تمام الاقتناع، كنت أحسبني سأكون سعيدة لمجرد خروج وليد جديد لي لكن لا بحق، ما فائدة أن تطبع كلمات لن يقرأها أحد بل والأكثر لن تضيف فائدة حقيقية أو حتى جمالية ما للأدب العربي، أنا خائفة، خائفة أن أكون ممن يكتبون لمجرد أن يكتبوا! خائفة أن أُرمى بتهمة الإسفاف، خائفة على وليدي أن تكرهه أمه التي أنجبته!!