الذي لا يعرفه الإخوة القراء الكرام أنني دخلت الوظيفة في التعليم بعد تخرجي من معهد المعلمين الابتدائي بالزلفي بتاريخ 1386/6/28هـ وتحديداً يوم الخميس، وتقاعدت بحمد الله في 1426/1/1هـ، أي أن الخدمة أربعون عاماً بحمدالله بالوفاء والتمام.
خلال عملي الوظيفي وتحديداً في العام الدراسي 1395/1394هـ حينما كنت معلماً في مدرسة عبدالحميد الكاتب الابتدائية بالرياض، جاء إلى المدرسة تعميم عن التدريس خارج المملكة لمن يرغب في ذلك حسب شروط خاصة ومحددة، وعلى من تنطبق عليه الشروط ويرغب في ذلك يعبئ استمارة معدة لهذا الغرض، ولم يكن عندي آنذاك تفكير أو معرفة بهذا النظام وأن هناك معلمين سعوديين يوفدون للتدريس بالخارج لعدة دول منها اليمن وعمان والإمارات والبحرين والجزائر وعدة دول أفريقية وآسيوية على حساب المملكة، مساهمةً منها في نشر التعليم والمساهمة في تعليم اللغة العربية ومساعدة لتلك الدول التي تتطلب المساعدة، لاسيما في التعليم لندرة المعلمين لديها آنذاك، وحينما قرأت التعميم والشروط وجدتها كلها عادية وتنطبق عليَّ، ومن هنا بدأت لديَّ فكرة هذا الموضوع والسؤال عنه، ولحسن الحظ كان هناك صديق يعمل في العلاقات والبعثات الخارجية بوزارة المعارف آن ذاك وهي الجهة المشرفة على الإيفاد، توجهت لذلك الصديق في منزله وسألته عن هذا الموضوع ورأيه فيه، فألح عليَّ بسرعة التقديم وطلب الإيفاد؛ لما لذلك من فوائد كثيرة مادية وتعليمية وثقافية واجتماعية، ومن هنا بدأ التفكير العميق والجدِّي في هذا الموضوع، وقمت في صباح اليوم التالي بأخذ استمارة من المدير وتعبئتها، ومن ثم متابعة الموضوع إلى أن خرج اسمي من ضمن المرشحين، وجاء إلى المدرسة تعميم بذلك وأن هناك مقابلة في الوزارة بهذا الخصوص محدد بها اليوم والتاريخ. وفي الموعد ذهبت للوزارة وأديت المقابلة، وبعد فترة جاء تعميم إلى المدرسة وأن اسمي به من ضمن المرشحين الموفدين، وتحديداً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة/ المدرسة الباكستانية الثانوية الإسلامية بالشارقة/ معلم لغة عربية، فتضايقت كثيراً وهممت بإلغاء الإيفاد نهائياً، وذلك لعدم إلمامي باللغة الأوردية ولا الإنجليزية، فكيف بي سأكون مدرساً بهذه المدرسة؟ وكيف سأتفاهم مع الطلاب والطالبات؛ حيث إن المدرسة مختلطة؟!.
ذهبت إلى الوزارة، وتحديداً للإدارة العامة للعلاقات والبعثات الخارجية، حيث يعمل صديقي، وطلبت منه إلغاء الإيفاد نهائياً وأن لا رغبة لي في الإيفاد، إلا إذا تم تحويلي إلى وزارة التربية والتعليم الإماراتية؛ لأكون معلماً عادياً وبعيداً عن المدرسة الباكستانية، امتعض صديقي من ذلك وقال لي بالحرف الواحد: أنت محظوظ وهناك معلمون كثيرون يرغبون العمل في المدارس الباكستانية بالإمارات، حيث إن هذه المدارس أهلية وإن الأنظمة بها سهلة جداً وتختلف كثيراً عن أنظمة وزارة التربية والتعليم.. لم أوافقه الرأي فامتعض هو الآخر مرة أخرى مني وأخذني وأدخلني على المدير العام الذي تفهَّم وجهة نظر صديقي وألحَّ هو الآخر عليَّ بعدم التردد في الإيفاد وتحديداً للمدرسة الباكستانية، مع تعهده لي في حالة عدم ارتياحي في المدرسة بعد شهر واحد فقط أن يكلم الملحق التعليمي السعودي في دولة الإمارات ليقوم بنقلي إلى وزارة التربية والتعليم الإماراتية، وبعد هذه الإلحاحات والنصح والتعهد توكلت على الله وقبلت النصيحة ولملمت نفسي وأنهيت إجراءات الإيفاد النظامية وتوجهت للعمل هناك، حيث عودة المدرسين وبداية العام الدراسي في 1396/9/3هـ أي في رمضان، وحين ذهابي للمطار وجدت عدداً كبيراً من المدرسين الموفدين في الرحلة التي سأسافر عليها، ومنهم من أعرفه والباقي تعرَّفْتُ عليهم بحكم طبيعة العمل والحديث عن هذا الإيفاد، حيث إنه يعتبر جديداً بالنسبة للجميع.
أقلعت الطائرة ووصلنا بحمدالله إلى مطار دبي الدولي، ومنا من ذهب إلى الفندق والبعض الآخر ذهب مع زميل له سابق في الإيفاد، وفي صباح اليوم التالي ذهب الإخوة الموفدون إلى وزارة التربية للمباشرة، وأنا أخذت سيارة أجرة من الفندق في دبي إلى الشارقة المدرسة الباكستانية، حيث الخطاب من الوزارة معنون باسم مدير المدرسة الباكستانية بالشارقة، وصلت إلى المدرسة حوالي الساعة التاسعة ودخلت إلى المدرسة، وكانت خالية تماماً، وفي أثناء البحث وصلت إلى مكتب به موظف واحد اسمه إقبال محمد شوكت، رحب بي وبادرني بالسؤال: أنت مدرس جديد من السعودية؟ حيث المدرس السابق انتهت إعارته وأنا جئت بدلاً عنه! فأجبت بالحال نعم.. قال لي: الدراسة هنا تبدأ بعد العيد بأسبوعين، وإذا فيه معك ورقة اكتب أنت ما تريد، وأنا أوقع وأضع ختم المدرسة، قمت وكتبت مباشرتي، ووقع عليها ووضع ختم المدرسة، ورجعت إلى الفندق في دبي منتظراً زملائي لأعرف أماكن تعيينهم، انتهى.
- يتبع..
** **
d.salehalhamad@hotmail.com