فضل بن سعد البوعينين
الأمن إحدى الدعائم الرئيسة للاقتصاد، بل أهمها على الإطلاق؛ فهو من متطلبات الحياة، ومن مقومات التطور، والبناء. يرتبط به النمو الاقتصادي والتطور التنموي، فكم من دول فقيرة نجحت في تنمية مواردها الطبيعية لأسباب أمنية صرفة، وكم من دول غنية فقدت مكتسباتها الاقتصادية لانفلات الأمن فيها.
ومتطلبات الأمن كثيرة، ومتشعبة ومتداخلة فيما بينها، إلا أنني أركز على جانب مهم من مكوناته المجتمعية المرتبطة بأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، وتأثير هؤلاء المخالفين على أمن واقتصاد الوطن، والمجتمع عمومًا. خاصة وأن عدد المخالفين الذين تم ضبطهم من قبل وزارة الداخلية خلال الأربع السنوات الماضية زاد عن 5.6 ملايين مخالف، وهو عدد كبير يعكس حجم المشكلة التي تواجهها المملكة. وفي الآونة الأخيرة تحول أمر المخالفين من البحث عن العمل والكسب المالي وممارسة الأنشطة التجارية بنظام التستر، إلى تشكيل التنظيمات الخطرة التي تهدد الأمن الداخلي، والانخراط في تجارة المخدرات، وامتهان التسول لجمع الأموال بقصد تمويل خلايا إرهابية أو تنظيمات خارجية ومنها جماعة الحوثي في اليمن. عزز هؤلاء المخالفون من حجم الاقتصاد الأسود الذي ينخر في اقتصاد الوطن، ويتسبب في مشكلات عميقة كالبطالة وفقدان الفرص الاستثمارية وانتشار الفساد بأنواعه، وحرمان خزينة الدولة من موارد مهمة، إضافة إلى كثير من المشكلات المجتمعية والأمنية الخطرة.
قضية التستر التجاري أحد أهم التحديات التي يعاني منها الاقتصاد السعودي؛ فهي تستنزف جزءاً مهماً من سيولته التي تحول للخارج وتتسبب في كثير من المشكلات القانونية والمخالفات المالية المؤثرة. والتستر من أهم مكونات ملف «مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود» ومن المخاطر المهددة للاقتصاد، والمخلة بالتنافسية، والمعطلة لبرامج التنمية الاقتصادية المعنية بدعم المنشآت الصغيرة وريادة الأعمال وتوطين الوظائف، ويتسبب في بطء حركة الإصلاحات ويؤثر سلباً على التوطين والحساب الجاري ويحد من الإيرادات الضريبية. يحتوي ملف التستر التجاري على قضايا غسل الأموال، وتمويل الأنشطة المحرمة، والتهرب الضريبي وترويج العملات المزورة، إضافة إلى ارتفاع حجم الأموال المتداولة خارج النظام المالي، وحجم الأموال المحولة إلى الخارج والتي بدأ تأثيرها أكثر وضوحاً على الاقتصاد بعد انخفاض الإيرادات النفطية واحتمالية حدوث عجز في الحساب الجاري لا قدر الله.
وبالرغم من سن التشريعات الموجهة للقضاء على التستر إلا أنه باقٍ ويتمدد بشكل ملحوظ، وتتم تغذيته من قبل المخالفين، والمتعاونين معهم من السعوديين. ومن مكوناته أيضاً تجارة المخدرات التي تهدد أمن الوطن والمجتمع عمومًا. يؤكد ذلك حجم المخدرات المضبوطة وتنوعها واستهدافها السوق السعودية بطريقة منظمة. يعتبر مخالفو أمن الحدود، من المتسللين، الركيزة الأهم في تهريب المخدرات لما يمتلكونه من معرفة وقدرات على تجاوز الحدود، بل يعتقد أن هناك عصابات متخصصة لتهريب المخدرات والمتسللين إلى داخل المملكة، تحظى بدعم وتمويل وتجهيز من أجهزة استخباراتية معادية.
الإخلال بالتركيبة السكانية، وتشكيل خلايا نائمة منتشرة في جميع مناطق المملكة، من المخاطر الكبرى المرتبطة بمخالفي أنظمة الإقامة وأمن الحدود، خاصة إذا ما كانوا جزءًا من منظومة استخباراتية معادية. قضايا وجرائم المتسللين من بعض الدول الأفريقية ما زالت عالقة في الأذهان، وربما شكلت نموذجاً مصغرًا لما قد يحدث مستقبلاً في حال عدم مواجهتهم بحزم.
تبذل الجهات الأمنية قصارى جهدها لمحاربة المخالفين وضبطهم وحماية الحدود وأمن المملكة، كما تبذل وزارة التجارة والجهات ذات العلاقة جهودًا مضنية لتجفيف مستنقع التستر الآسن، إلا أنها جهود تحتاج إلى دعم ومشاركة أكبر من المواطنين أنفسهم.
فالأمن مسؤولية مشتركة تتحملها الأجهزة الأمنية وكل فرد من أفراد المجتمع ومؤسساته المدنية. الأمن المجتمعي أحد أهم مكونات الأمن الشامل؛ ونعني به الجهود التي يقدمها أفراد المجتمع ومؤسساته لمواجهة كل ما قد ينال من أمن الوطن وأفراده ومؤسساته؛ إضافة إلى الأمن الفكري الذي يمكن من خلاله وأد جميع الفتن؛ وحماية الوطن من تبعاته الخطرة.