كان ولا يزال قطاع الإنشاءات المعمارية في المملكة من أضخم القطاعات التي توليها الدولة اهتماماً بالغاً لما لها من أثر واضح ومباشر على التنمية؛ فالنهضة العمرانية التي شهدتها المملكة في الفترات السابقة وفرت البيئة المناسبة لنمو الأعمال وتحفيز الاقتصاد، وكذلك ما نشهده اليوم من نهضة اقتصادية عامة صاغها ولي العهد -حفظه الله- في رؤية طموحة استراتيجيات وبرامج مدروسة أصبحنا نشهد ونتحسس نجاحاتها في كل مجال. إلا إني آمل أن يتم توجيه الإنفاق في قطاع الإنشاءات المعمارية ليحقق أعلى المكاسب الاجتماعية والاقتصادية خلال دورة حياة المشروع.
الكثير يعتقد خطأ أن المشاريع المعمارية لا تبدأ بجني مكتسباتها إلا بعد أن يكتمل المنتج النهائي، وهذا الأمر ليس على الإطلاق؛ فالمشاريع المدروسة التي تتبنى نهج التنمية المستدامة تبدأ بتحقيق المكاسب منذ مرحلة تطوير الفكرة وحتى انتهاء العمر الافتراضي أو انتفاء الفائدة من المنشأة، أيضاً مفهوم التنمية المستدامة يعاني من التحيز حتى لا يكاد أن يفهم إلا في إطار بيئي فقط، بينما في الحقيقة التنمية الاجتماعية محور رئيس من محاور التنمية المستدامة وفي عالمنا ومحيطنا يكاد يكون هذا المحور هو أكثر المحاور ضعفاً في تنميتنا وبالتالي هو الأحق بالاعتناء.
تتيح المشاريع المعمارية الفرص لتحريك الاقتصاد المحلي وخلق الفرص الوظيفية والاستثمارية وتطوير الكوادر الفنية والهندسية؛ فعلى المطورين قياس مدى إسهام المشروع في مثل هذه الاعتبارات، وبالتالي يتم قياس المحتوى المحلي سواء كان مواد أو أشخاصاً أو أفكاراً ووضعها كأساس في المفاضلة بين المشاريع أو بين العطاءات، هنا نضمن أن الأموال التي تم ضخها في المشروع خلال مرحلة التطوير والإنشاء تم توزيعها داخل حدود الوطن وعادت بالفائدة لعامة المجتمع. كذلك بالإمكان للمشاريع المعمارية أن تضيف للمجتمع المجاور لها قيم اجتماعية تسهم في رفع جودة الحياة للمجاورين؛ فالمشروع الجديد يتم زرعه وسط نسيج عمراني مكتظ بالناس والسكان؛ فالمفترض أن يتفاعل هذا المشروع مع شبكة العلاقات والمصالح القائمة وينميها
ويعززها ليكون جزءاً فاعلاً ومؤثراً إيجابياً، كأن يعود هذا المشروع على القاطنين بالفائدة التي تكافئ ما استهلكه المشروع من موارد أو ما تسبب به من تقليص من الفضاءات المفتوحة. فلنا أن نتخيل مجاورة سكنية كل مبنى فيها منغلق على نفسه وليس للناس إلا مشاهدة الأسوار وبين مجاورة أخرى قام كل مبنى بتقديم مرافق خدمية من حدائق ومحلات تجارية.
ومساحات تأجيرية للمجتمع المحيط،وبلا شك أن لذلك أثراً ومردوداً على تقوية العلاقات الاجتماعية وتعزيز جودة الحياة، علمتنا التجارب أن قوة المجتمعات تتعزز مع زيادة العلاقات والتواصل بين أفراده، وعلى المطورين والمعماريين التأكد من إيجاد الفراغات المناسبة التي تهيئ الفرص لوجود مثل هذه العلاقات.
** **
رئيس قسم العمارة - جامعة القصيم - مهتم في العمارة والتنمية المستدامة