كان عمالقة الاقتصاد خلال المائتي عام الماضية أناساً مهمومين بالقضايا السياسية المهمة في عصرهم؛ فدرسوا آلية عمل الاقتصاد ليصوغوا سياسات اقتصادية أفضل. لكن على الرغم من اهتمامهم بالسياسة فلم يكونوا من المجادلين أو السياسيين، بل كانوا أناساً سعوا لإقناع معاصريهم في الحكومة وفي أوساط العامة الأوسع بآرائهم من خلال التحليل والبرهان المستوفيين لمعايير النقاش المهني.
ومثل أي مجال علمي، يتقدم علم الاقتصاد من خلال كشف مواطن قصور الأفكار السابقة. ومع أن علم الاقتصاد لا تتوافر فيه فرص التجريب المتاحة للعلوم الطبيعية، فإن الاقتصاديين يمكنهم استخدام الملاحظة المنهجية وتحليل التجارب لرفض النظريات القديمة وصياغة نظريات جديدة.
ينظر الكثيرون -بمن فيهم الكثير من خبراء الاقتصاد- إلى الاقتصاد بالطريقة عينها التي ينظر بها أحد الأفراد الراغبين في شراء منزل إلى أحد نماذج المنازل المعروضة عليه.
إن العبارة التقليدية ((الموقع، ثم الموقع، ثم الموقع)) قد تصلح لشراء منزل بثلاث غرف نوم، إلا أنها عديمة القيمة عندما نكون بصدد تحليل اقتصاد دولة.
تركز كتب الاقتصاد التقليدية بشدة على عامل الموارد الطبيعية، الذي يقول إن الدولة التي تنعم بكميات كبيرة من المعادن والموارد الطبيعية تتميز عن غيرها. هل هذا صحيح حقاً؟!
إن وجود قدر كبير من الثروات في بلد ما قد يكون نعمة ونقمة. إن الأرض في أجزاء كثيرة من أفريقيا مليئة بالمعادن، لكن دولها تعاني التخلف الاقتصادي نظراً لسيطرة طبقة صغيرة على السلطة تمنع المجتمع من أن ينال نصيبه من رأس المال.
إن تاريخ الفكر الاقتصادي يعلمنا أن النجاح لا يحالف إلا الجوعى والمتواضعين والمرنين.
لقد أعطتنا التسعينيات الكثير من الفرص الجديدة لكي نختبر حكمة الاقتصاديين ونقيم أفكارهم. والآن، يطرح القرن الحادي والعشرون تحدياته، وستكون أفكار الاقتصاديين القدمى معنا كي تقدم لنا المساعدة.
إن قضايا السياسة الاقتصادية كالسياسة التجارية، والتضخم، والدور المناسب للحكومة، والقضاء على الفقر، ووسائل رفع معدل النمو الاقتصادي ناقشها الاقتصاديون لأكثر من قرنين. وكثير من السياسات الاقتصادية الحالية - الجيد منها والسيء - هي نتاج لأفكار أولئك العلماء الراحلين. ولن يتمكن من فهم الكثير من المناقشات الدائرة حالياً حول السياسة الاقتصادية إلا أولئك الذين لديهم على الأقل قدر من الدراية بأفكار الاقتصاديين السابقين.
** **
للتواصل: zrommany3@gmail.com