ابتلي أقوام بالقدح في العلماء الذين سبقونا بالإيمان والعطاء، ومن أكثر من تعرض للانتقاص الإمام الألباني -رحمه الله- وهو عالم تركي الأصل سوري، وحياته مليئة بالابتلاءات بالسجن والنفي والظلم، ولم يتزحزح عن قناعاته. ونال ثقة كبار علماء المسلمين ونعتوه بمجدد علم الحديث في القرن السابق، وفاز بجائزة الملك فيصل سنة 1419هـ.
واسمه محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي، أبو عبدالرحمن الألباني، أحد أبرز علماء هذا العصر بالحديث، وُلد في أشقودرة في ألبانيا، ووالده قاضٍ تركي، ثم هاجر والده وعائلته إلى دمشق، ثم حبب له علم الحديث فاشتغل به حتى برع ولمع فيه، حتى عُدَّ مجدد هذا العلم في هذا العصر، (ت:1420). قال ابن باز: ما رأيت تحت أديم السماء عالمًا بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني. وقال ابن عثيمين: إمام في الحديث، لا نعلم أن أحدًا يباريه في عصرنا.
وليعلم أن القدح في العلماء ليس من سبيل الصالحين المتبعين، فقد قال الطحاوي -رحمه الله تعالى- في «عقيدته» (2/ 740): «وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل»؛ اهـ.
ويقول الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى: «واعلم يا أخي - وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمر عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم»؛ (تبيين كذب المفتري: ص 28). وروي عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه قال: «لحوم العلماء مسمومة؛ من شمها مرض، ومن أكلها مات»؛ (المعيد في أدب المفيد والمستفيد: ص 71). ويقول مالك بن دينار -رحمه الله تعالى: «كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة، وكفى المرء شرًّا ألا يكون صالحًا، ويقع في الصالحين»؛ (شعب الإيمان للبيهقي: 5/ 316)، (صفة الصفوة: 3/ 286). ويقول ابن المبارك -رحمه الله تعالى: «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته»؛ (سير أعلام النبلاء: 4/ 408). ويقول الإمام أحمد بن الأذرعي -رحمه الله تعالى: «الوقيعة في أهل العلم - ولا سيما أكابرهم - من كبائر الذنوب»؛ (الرد الوافر: ص 197). ويقول العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله تعالى: «بادرة ملعونة... وهي تكفير العلماء، والحط من أقدارهم، فهذا من عمل الشيطان، وباب ضلالة وإضلال، وفساد وإفساد، وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به، لكن الأغرار لا يفقهون ولا يثبتون»؛ اهـ.
وقد أراد الله بالعلامة الألباني -رحمه الله- خيرًا، فالعلم النافع مستمر ليوم الدين، ومحبوه يدعون له كلما ذكر اسمه، وشانؤوه يهدونه حسناتهم بالقدح فيه. فرحمه الله وجمعنا به في الفردوس مع مشايخنا وأحبابنا.