«المعروف لا يُعرَّف» فالشاعر الكبير عبدالله الأشقر -رحمه الله- رمز من رموز الشعر الشعبي الجزل في كافة أغراضه، يُردّد قصائده ويحفظ الكثير منها عن ظهر قلب رفيعو الذائقة، شاعر سبق عصره احتكاماً لما تحتوي عليه قصائده من تداعيات وأخيلة ورموز وصور قياساً بثقافة الشعراء المحدودة المتاحة في عصره، حيث ولد عام 1321هـ في مدينة حايل يضاف لكل ذلك أكثر من مزيّة اتصف بها نهجه مثل الأنفة والإباء وعزّة النفس والحث على مكارم الأخلاق والقيم الرفيعة.
حظي شعره بانتشار واسع مقارنة بمجايليه أو من هم قبله أو بعده في الحقبة الزمنية من الشعراء ومرد ذلك لبصمة إبداعه الخاصّة في قصيدته التي لا تشبه غيره فلم يسبق من (منظور نقدي) أن رصد النقاد ما يثبت نمطية شعرة أسوة بالكثيرين غيره أو تشابه المفردات والصورة والمعنى أو توارد الأفكار لذا جاءت قصائده بلغة تليق بموهبته الفذّة مُنسابة من (القلب للقلب) في كل أغراض الشعر التي برع فيها وأجاد ترويضها وقد أُوتي دقة بلاغية متناهية في الوصف وتحديداً في البيان الذي هو اصطلاحاً أصول وقواعد يُعرف بها إيراد المعنى الواحد بطرق متعددة وتراكيب متفاوتة مثل قوله - رحمه الله:
بإعداد ماحدره وفوقه من الملا
وإعداد مايرمي الحجيج جمار
وماسمعت الأسماع واللي يرى البصر
وماشالت البيداء ثرى واثمار
سلام من قلبٍ من الود مستقى
سلام ماناح الحمام وطار
سلام يادارٍ غذتنا بدرّها
سلام للقاع الهشيم أزهار
أحلى من الصحه بعد سقمٍ إنجلى
والذّ من يسر يسوق عسار
دار الصخا والجود من قام ساسها
دارٍ بها للغانمين وقار
دارٍ بها الناموس بشرى ويلتقى
والمرجله بذيك الديار تدار
كما أن الحكمة كانت حاضرة بجلاء في قصائده كصاحب تجربة متبلورة تماماً يرى الأمور من زواياها بعمق كما ينبغي من ذلك قوله واصفاً حال الدنيا:
ولا أضحكت مخلوق إلاّ بكى بها
ولا دام فيها واحدٍ طريب
إلى تم به أمر ترقّب زواله
ترى كماله للزوال نديب
أشوف أنا الوهّاج يكسف إلى كمل
والشمس تزهر لابغت تغيب
أبصر بمسعاها بناسٍ تقدّموا
تشوف منها عبرةٍ تريب
أما (الغزل) من أغراض الشعر الشعبي فلم يحظى شاعر -إلاّ قلة قليلة- من الشعراء بما حظي به عبدالله الأشقر -رحمه الله- في رواج قصائده وحفظ الناس لها عن ظهر قلب لرقتها المتناهية وتضميناتها الآسرة كتلك «الهجينيات» التي تحفظها الأجيال المتلاحقة ويتمثلون فيها في التعاطي مع الحب في تجسيدهم للعاطفة الجيّاشة ووصف الجمال المبهر، كقوله - رحمه الله:
يازين كاني بعد حيّك
لاتذبحن وأنت تغليني
أخاف أنا أموت بيديّك
صبري قضى يانظر عيني
وكذلك قوله:
ياناس طرد الهوى غربال
يرّث براعيه الأوجاعي
دايم وراعيه ضيّق بال
من علّةٍ بين الأضلاعي
القلب لو تربطه بحبال
عن الهوى يوم ماطاعي
أيضاً قوله:
يامل قلبٍ على ميهاف
متعلّقٍ والقدم حافي
عليك يابوثمان رهاف
أنته سبب داي واتلافي
وكذلك قصيدته الشهيرة:
يازين فرّع وقض الراس
خل الأزارير دلاّعه
ودّي بشوفك يزول الباس
وأملا النظر منك لو ساعه
شربت حبك بغير قياس
وصارت لك النفس خضّاعه
كلٍ شرب بالهوى له كاس
وأنا معك حيلتي ضاعه
توفي -رحمه الله- في الرياض عام 1403هـ. بعد أن أبقى أجمل القصائد وأعذبها في كل أغراض الشعر ويتأمل جمهوره العريض من عشّاق الشعر الشعبي الأصيل أن تُجمع قصائده في (ديوان) يوثّق إبداعه.
** **
- محمد بن علي الطريّف