د. محمد عبدالله الخازم
أقرت إستراتيجية النقل العام وأعلنت بعض ملامحها التي تبشر بنقلة نوعية في هذا المجال. النقل يمثل عصب الحياة الاقتصادية والمدنية وأساس البنية التحتية لأي بلد كان، وعلى مدى تاريخ المملكة كان تطور الطرق والمطارات والقطارات أهم روافد التنمية التي ربطت بين أجزاء البلاد ودعمت الخدمات اللوجستية والتنموية والتنقل بكافة أبعاده. يدرك ذلك من عاصر ودرس التطور التنموي واطلع وقارن مع دول العالم المختلفة.
ربما يعتبر النقل بالقطارات وسكك الحديد هو العنوان الأبرز في الإستراتيجية الجديدة وقد حظي بتطورات جيدة في السنوات الأخيرة -بعد تأخر عن مجاراة وسائل النقل الأخرى- تمثلت في تأسيس خط الشمال حتى الشرق والرياض، وكذلك قطار المشاعر بين الحرمين الشريفين. لا نريد التوقف عند ذلك وقد سعدنا بإعلان الربط بين شرق البلاد وغربها في مشروع حيوي منذ سنوات والحديث عنه يدور، وجميل أن نراه أبرز عناوين الإستراتيجية وسيدخل حيز التنفيذ قريباً وفق أفضل وأحدث التقنيات والمواصفات.
وفي الحديث عن نقل السكك الحديدية، هناك جزء غال من بلادنا نرجو وجوده ضمن الإستراتيجية، ذلك المتعلق بشمول مناطق جنوب المملكة؛ الطائف، الباحة، عسير، جازان، نجران؛ بمشاريع السكك الحديدية. لقد تم ربط الشمال بالشرقية بالقصيم بالرياض بالقطارات والآن سيربط الشرق بالغرب، لذا ربما نحن بحاجة إلى مشروع سكة قطارات جنوب المملكة. طبعاً، لست بصدد تبيان أهمية مثل ذلك المشروع من ناحية الكثافة السكانية أوالعوامل الاقتصادية والتنموية فهي معطيات متوفرة للمعنيين.
وربما يكون هناك حاجة كذلك إلى خط محاذ للبحر الأحمر من الجنوب إلى الشمال (قطار الساحل) لتكتمل شبكة النقل البري عبر السكك الحديدية، وهي التي تعتبر من المشاريع الواعدة تنموياً وتفتح آفاق فرص وظيفية كبرى، وكذلك تساعد في الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات في الطرق البرية التي نخسرها بسبب الضغط عليها بالذات في مجال نقل البضائع وغيرها. في الماضي كان بعضهم يقترح الصناعة أو مؤسسات التنمية في مدن معينة لأسباب أهمها عوامل النقل والظروف اللوجستية ولكن مع وجود شبكة نقل كبرى ستتلاشى كثير من المبررات وسندعم التنمية في غالبية مدن بلادنا. تذكروا، وسائل النقل لا تذهب للمدن الجاهزة اقتصادياً فقط، بل تسهم في نشوء ونمو مدن ومناطق جديدة ضمن خارطة الاقتصاد والتنمية.
تطوير الشبكة الداخلية وربطنا بالعالم الخارجي سيضعنا محور وقلب النقل في المنطقة، حيث يمكن الربط بأفريقيا عبر الجسر السعودي المصري، ومع دول الخليج كما أعلن مسبقاً. وهكذا مع دول الشمال والجنوب، إلخ. ولعله من حسن الطالع نشر إستراتيجية النقل بعد استراتيجية التخصيص، وبالتالي هي فرصة ذهبية للاستفادة من القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي والمحلي في بناء شبكة الطرق الحديدية الداخلية والخارجية دون كلفة كبرى على ميزانية الحكومة الرسمية، وفق عقود البناء والاستثمار لفترات مناسبة لهذا النوع من الاستثمار.
نشيد بما تحقق من مكتسبات في مجال النقل والخدمات اللوجستية، ونرجو التوفيق للقائمين على الإستراتيجية الجديدة وعنوانها المقترح «مرحلة القطارات السعودية».