د. فهد صالح عبدالله السلطان
تكاد تجمع الدراسات الميدانية في معظم مراكز أبحاث السوق على أن العمل المستقبلي يتطلب مهارات جديدة تختلف تمامًا عن المهارات المتوفرة حاليًا أو تلك التي يوفرها التعليم النظامي الحالي في معظم دول العالم. الشيء المتفق عليه هو أن الطلب في سوق العمل مستقبلاً سيركز على المهارات، ولذا فإن علينا إعادة صياغة برامج التمكين والتأهيل وفقًا لذلك.
في دراسة حديثة جدًا أجرتها سيتي أن قيلدز وغرفة تجارة المملكة المتحدة في الشهر الماضي على سوق العمل في ظل الأزمة الحالية، وجد أن 53 % من المنظمات القائمة تحتاج إلى مهارات فنية تتعلق بأداء أعمالها الخاصة بينما لا يوفر السوق سوى 24 % من الاحتياج، واتضح أن 22 % من المنظمات التي شملتها الدراسة بحاجة إلى مهاريين في الرقمنة بينما لا يوفر السوق المحلي سوى 9 %، كما بينت الدراسة أن 40 % من المنظمات تحتاج إلى موظفين لديهم مهارات خاصة وحديثة في القيادة والإدارة الحديثة بينما لا يتوفر في السوق أكثر من 24 %، وفي مجال البيع وتطوير الأعمال تلاحظ أن 48 % من عينة الدراسة تتطلب مهارات خاصة فيها بينما لا يتوفر في جانب العرض سوى 12 %. وبينت الدراسة أن 33 % من المنظمات بحاجة إلى عاملين لديهم مهارات إدارة المشاريع في الوقت الذي لا يتوفر في السوق سوى 19 %.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن ما يتطلبه سوق العمل في المستقبل القريب يختلف تمامًا عما يتوفر حاليًا وعما توفره مخرجات التعليم النظامي، والسبب معروف وهو أن السوق المستقبلي يتطلب توفر مهارات محددة تقنية وإدارية يمكن أن توفرها برامج التدريب التطبيقي العملي الهادف والجاد. وهذا في نظري أهم وأول مفاتيح التوظيف والحد من البطالة. وقد تم تطبيق ذلك والتحقق من كفاءته من خلال التجربة العملية لبرامج تدريبية قامت بها أحد الأكاديميات الأهلية الخاصة بالمملكة وأثبت نجاحاً واضحاً في سرعة التوظيف والاستجابة للمتطلبات الحالية للسوق.
هذه بالطبع ليست دعوة للحد من التعليم لأن ذلك أمر لا يقره العقل ولا المنطق، ولكنها دعوة للتركيز على بناء المهارات التقنية والإدارية في الجيل الحاضر وتمكينهم مهارياً من خلال برامج التدريب التطبيقي والمهننة لتلبية سوق العمل المستقبلي الذي تحكمه توجهات وتطورات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي وذكاء الأعمال والرقمنة.
وباختصار فإننا إذا ما أردنا الحد من البطالة وتوظيف القوى العاملة من الشباب والشابات السعوديين فإن علينا بناء إستراتيجية ومنهج عملي تطبيقي للتدريب وإكسابهم المهارات العملية التي يتطلبها سوق العمل في الحاضر والمستقبل بصرف النظر عن تخصصاتهم ومستوياتهم العلمية والأكاديمية.
فهل نعي ذلك جيدًا.