رجاء العتيبي
ما زال التحدي قائماً في قطاع الفنون، هل تغلب عليه التجارة، أم تغلب عليه الصناعة، وشتان بين الاثنين، هذا أمر يعرفه الجميع، ويعرفونه (واقعاً لا تخطئه العين) أن الأعمال الفنية بشتى أنواعها يغلب عليها التجارة، وأن الصناعة ما زالت حلماً وهدفاً سامياً، وربما مثالياً لم يتحقق بعد.
التجارة ما زالت هي الغالبة في المسلسلات الدرامية منذ سنوات طويلة، ورغم تاريخها الذي يصل إلى جيلين إلا أنها ما زالت (تجارة)، ولم تتحول إلى صناعة حتى اليوم، ويبدو أن السينما، والموسيقى والتشكيل والفولكلور تسير في ذات الاتجاه.
السؤال: من يتحمَّل مسؤولية تأسيس (الصناعة) هل هم المنتجون، أم الكيانات الحكومية المعنية بالفنون، أم السوق، وهل ستنحسب تجارة المسلسلات على السينما وبقية الفنون، أسئلة لا يمكن الإجابة عليها بسهولة، ستظل أسئلة معلقة طالما يتجاهلها المعنيون بها، فكلٌّ مشغول بأعماله، وأعمال الجهة التي ينتمي إليها.
طالما هناك تجربة مريرة في تحول المسلسلات إلى تجارة منذ عقود طويلة، فلماذا لا ننتبه ونحذّر ونقلق حتى لا تتحول السينما إلى تجارة؟ مثلها مثل المسلسلات، ويدخلها تجار الشنطة، ويشفطون رؤوس الأموال ثم يتركونها وشأنها حينما تنتهي موجتها الاقتصادية.
الأمر ليس سهلاً والمشكلة إذا استشرت يصعب حلها، ويصعب لاحقاً تفكيك شبكة تجار الشنطة عندما يتكاثرون ويسيطرون على السوق، فطالما أرض الفنون في بلادنا ما زالت بكراً علينا أن نطوّعها حسب معايير صناعة الفنون، علينا أن نفعل ذلك، لأن ترك قيادة هذه الأرض الفتية، سيفتح المجال لتجار الشنطة ويقودونها لمصالحهم الخاصة. ويسقط الحلم، وتسقط الفنون ألماً وحسرة، وتتبخر الملايين، وصناديق الاستثمار، وتنهار الجهود التي يبذلها الصادقون في برنامج جودة الحياة، وتتحول سوق الفنون إلى مقاولات، تفسد الوجه الحضاري لبلادنا. حينها لا ينفع العتب ولا المحاسبة ولا اللون لأن بيئة الفنون صارت أطلالاً مصحوبة بالبكاء والنحيب..