قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها».
حقاً.. كم دنيانا قصيرة، والأعمار بيد الله سبحانه.
قبل عدة أيام مضت شددت الرّحال من عاصمتنا الرياض.. إلى جدة للاطمئنان على أغلى وأجلّ ما أملك في الدنيا وهما والديَّ اللذان مع العمر وبعض الأعراض المرضية يرقدان منذ عدة سنوات بالعناية المركزّة في أحد مستشفيات جدة.
فبعد الوصول.. من فضل الله وكرمه اطمأننت على والدي -رعاه الله- «من بُعْد».. ثم اتجهت إلى والدتي التي تمّ نقلها مسبقاً من مقرّ إقامتها على عجل للمستشفى بعد انتكاسة صحية وكثرة جروح وتضاعف آلامها.. وقيام استشاريي المستشفى العسكري بجدة ومسئوليها بواجبهم الطبّي جزاهم الله خيراً.. فاستبشرنا خيراً بما قاموا به من تشخيص وفحوصات أوليّة، وكان الأمل بالله ما زال كبيراً، «لم يمضِ يومان بعد إجراء الفحوصات والتّحاليل كافة لها ومتابعتي مع الأطباء لحظة بلحظة.
كانت أمّ عبدالله.. بوجهها المضيء تنظر إلي بعد مناداتها نظرة مطمئنة كلها تفاؤل، ولم أكن فالعلم عند الله ولم أشعر بأنها «نظرة الوداع الأخيرة، فما هي إلا ساعات معدودة وقد حل قضاء الله وقدره فكان صاعقاً، الغالية «أم عبدالله فارقت الحياة الدّنيا.
فالحمد لله الذي منحني شرفاً بأن أكون قريباً منها وهي تغادرنا إلى ربّ كريم رحيم.
فقد أدركت كم دنياي قصيرة ولا تُساوي بعد من تحت أقْدامها الجنة مثقال ذرّة، إذ فقدت أحد أبواب الجنة..
لقد أغْمضت عيناها وفاضت روحها.. فغشتني سحابة سوداء وضنكة في الصّدر، وتحجّرت مدامعي وشعرت بغصّة كبيرة، كيف لا؟! فقد رحلت الغالية.
رحلت من كان لها من اسمها نصيب، الأمّ الصّالحة «صالحة» إلى رحلة أبديّة.
بهذا الفراق فقدت كلّ حلاوة الحياة الدّنيا.. وفقدت والشهادة لله.. الأمّ الرؤوم الحنون التي كانت تحمل داخلها قلباً نقيّاً نقاء الثلج. والدة عرفتها وعشتها ورافقتها فكانت مختلفة ليست ككلّ الأمهات، وقد منحها الله الخُلق والأخلاق وطيب المعشر ولسانا نظيفا كقلبها النظيف، وقد عاشت حياتها بخصال حميدة بفعلها وعملها وتشجيعها لكلّ عمل خيري.. فلم تحمل داخل ثنايا جسدها الطاهر إلا المحبّة والتوجيه والصفاء والنّقاء. فقد كانت أم عبدالله والشاهد الله تنفع ولا تضرّ.. مصلّية مُسميّة لا نرى منها إلا انشراح الصدر وابتسامة التفاؤل، والنّصح للأبناء ورعاية الأحفاد.
ماتت أمّ الخير بهدوء ودون عناء وضجيج.. وقد غابت الغالية إلى ربّ رحيم كريم أرْحم بها منّي ومن حولها.
وأدعو الله من القلب أن يمنحني بعد غيابها وكل محبيها الصبّر والثّبات.
اطمئني يا أمي فالدعاء لك مستمر كما هو في حياتك ومعاناتك وبعد رحيلك بالرحمة والمغفرة وجنّة الخلد.
ما أصعب فقدك.. وما أصعب فراقك على والدة أبنائي «أم خالد» والتي كنت لها والدة، وما أصعب رحيلك على الأبناء والبنات والإخوان والأخوات والأحفاد، وكل الذين كانوا وما زالوا يتردّدون على بيتك وغرفتك اللذين حملا اسمك.
اللهم يا رب ألهمنا جميعاً الصبر والثّبات.
أخيراً.. أرفع شكري الجزيل وعرفاني لمن تواصل واتصل وكتب وواسى من أصحاب السمو والمعالي ورجال السلك الدبلوماسي والشورى والإعلام في داخل وطني وخارجه. كما هو الشكر لكل أهلي وأحبتي وإخواني وأخواتي وأرحامي وزملائي في صحيفة الجزيرة، شكراً لعواطفكم ومشاعركم ووفائكم، ولا أراكم مكروهاً في غالٍ.
اللهمّ يا رحمن يا رحيم، ربّ العرش العظيم، ارحمها واغفر لها وأعذها من عذاب القبر والنار، وأبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خيراً من أهلها. وأسكنها الجنّة دون حساب.
** **
- عبدالله بن محمد آل الشيخ
Alsheikhabdullah@yahoo.com