د.عبدالله بن موسى الطاير
أقوى العلاقات الدولية هي التي تجمع إلى جانب المصالح المشتركة مبادئ راسخة، والعلاقات السعودية العمانية تحكمها مصالح ومبادئ، ولذلك فإنها وإن لم تتصدر عناوين الأخبار لفترات معينة فإنها في الحقيقة كانت تعمل بديناميكية تحقق مصالح البلدين والمنظومة الخليجية والعربية والإسلامية. ربما ما يميز سلطنة عمان هو عدم لجوئها إلى الشعارات في إدارة مصالحها، ولجوؤها في المقابل إلى العقلانية والخطاب المتوازن مع حزم في التمسك بمصالحها وصيانة سيادتها.
يحسب للسعودية وعمان التزامهما المبدئي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير إلا وفق بوابات الشرعية وما تؤطره القوانين الدولية، ولذلك فإن الحديث عن السعودية وعمان هو حديث العقل والحكمة في تحقيق المصالح.
يمكنني أن أضيف بقناعة كاملة بأن عمان الطامحة لمستقبل أفضل لشعبها والمنطقة لا تبني طموحاتها على أساس الإضرار بدول الجوار، وإنما تسعى للتكامل وليس للتنافس السلبي، وهو ما يجعل المملكة إضافة نوعية لعمان، كما هي للسعودية.
ولم أستغرب اختيار السلطان هيثم بن طارق المملكة لزيارته الخارجية الأولى، فهو خيار استراتيجي يؤكد أن المملكة هي العمق الخليجي والعربي والإسلامي والدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين، وبذلك تستطيع السلطنة التعويل على علاقات وثيقة وقوية مع المملكة العربية السعودية. الموقف السعودي من السلطنة يبرز في أحلك الظروف، ومن ذلك أن الملك سلمان بن عبدالعزيز سافر شخصياً لمسقط للتعزية في السلطان قابوس رحمه الله، على الرغم من جائحة كوفيد-19، وها هو حفظه الله يستقبل في نيوم ضيفه الكبير.
رؤية المملكة 2030 ورؤية السلطنة 2040 تعولان على تنويع مصادر الاقتصاد، والبدان يتمتعان باقتصادات متكاملة أكثر منها متنافسة، ولذلك فإن أي اتفاقيات في هذا الجمال سوف يكون نصيبها من النجاح كبير بحول الله. كما أن الموقع الجغرافي للسلطنة يفتح منفذاً آمناً للمملكة على موانئ بحر العرب بعيداً عن مضيق هرمز الذي تتهدده إيران بالإقفال مع كل خلاف لها مع الجوار أو المجموع الدولية. يزيد من فرص التكامل الاقتصادي بين الدولتين العنصر البشري حيث يبغ عدد سكان عمان 4 ملايين و664 ألفاً و790 نسمة يمثل العمانيون 57 % منهم، وهي تعد ثاني أكبر دولة خليجية من حيث نسبة المواطنين إلى عدد السكان، مما يعود بالنفع الاقتصادي لأي شراكات اقتصادية على المواطنين الأصليين في البلدين.
حلول السلطان هيثم ضيفاً على المملكة هو نتيجة جهود يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان لضخ الدماء الدافئة في شرايين العلاقات السعودية المهمة، وتقوية المحاور الحيوية للمصالح الوطنية والخليجية، ومعلوم أن تقوية العلاقات السعودية العمانية هو تقوية للعلاقات الخليجية في ظرف حساس تشهده منطقة الشرق الأوسط. وغني عن القول إن سلطانة عمان هي الدولة الثانية مع المملكة التي ترتبط بحدود برية مع الجمهورية اليمنية، وبالتالي فإن جهد المملكة لإعادة الشرعية إلى هذا البلد الجار يتطلب تنسيقاً وثيقاً مع سلطنة عمان، وفي ظني أن الدولتين تستطيعان تحقيق الكثير لمصلحة الشرعية اليمنية والشعب اليمني الشقيق.
زيارة السلطان هيثم بن طارق واستقبال الملك سلمان له تضع المملكة والسلطنة على طريق المستقبل، فهما يتصرفان بناء على رؤى تستشرف المستقبل، وتنطلق من حاجات داخلية، وتحديات خارجية، وتنسجم تحركاتهما وتقاربهما مع قراءات موضوعية للظروف الحساسة التي تعيشها المنطقة.