خالد بن حمد المالك
عندما اختير جلالة السلطان هيثم بن طارق ليكون خلفًا للمرحوم السلطان قابوس في حكم السلطنة، حرصت أول ما حرصت على أن استمع إلى أول خطاب له يوجهه للشعب العُماني وللعالم، لأتعرف على هذه الشخصية التي أوصى بها السلطان قابوس -رحمه الله- لتكون خليفته في حكم البلاد، بعد أن ظل من سيكون حاكمًا بعد وفاة سلطانها غامضًا، وموضع تكهن وترجيح بين هذا وذاك، وسرًا لن يُكتشف ويُتعرف على وصية المرحوم إلا بعد فتح الخزينة التي ظل مفتاحها بيد السلطان قابوس، ومن بعده من أوكل لهم إزاحة الستار عن هذا الاختيار المهم.
* *
لم تكن مفاجأة حين وُجِدَ أن جلالة السلطان هيثم هو من رشحه الراحل الكبير لولاية الحكم من بعده، ولم تكن الأسرة الحاكمة لها من موقف غير الموقف المؤيد والمساند والمرحب بالسلطان الجديد الذي سيحكم البلاد، ويواصل المشوار في بناء السلطنة، وتطوير البلاد، والعمل مع الجميع بما يُسعد الشعب، وينمي علاقات السلطنة مع أشقائها الخليجيين والعرب ودول العالم، لكن كل هذا كان محكومًا بما سيقوله جلالته في كلمته التاريخية التي سيفتتح بها بداية عمله سلطانًا لسلطنة عُمان، والتي ظل المواطنون والخليجيون والعالم في ترقب وانتظار لها.
* *
كان حرصي على انتظار الكلمة كغيري، حرص من يريد أن يتعرف على هذه الشخصية العظيمة، وعلى السياسة التي سيدير بها البلاد، وعلى ما يمكن معرفته عن علاقة السلطنة بالمملكة ودول الخليج تحديدًا، ولم يخب ظني بما كنت أتوقعه في أول إطلالة لجلالته في كلمة أستطيع القول عنها إنها كلمة تاريخية وموزونة وشاملة ومعبرة عن طموح شعب عُمان، وأمل دول مجلس التعاون، وامتدادًا لدول العالم، فقد تأكد فيها للعالم أنه أمام زعيم عظيم، تحدث بلغة جميلة، وأفكار متطورة، وسياسات تصافح الجميع، وتمد اليد للتعاون مع من يرغب أن يتعاون مع هذه الدولة الفتية التي لا تؤمن بسياسة المحاور، ولا تنحاز لأي موقف يخرجها عن تقاليدها في النأي عن أي مشاكل وتحزبات.
* *
تحدث بلغة راقية، وأسلوب لا يخلو من حرص على كسب ود العالم ليتضامن مع نهج بلاده في تقديرها للأمور والتطورات، وحرص على أن يطمئن مواطنيه على أن السلطنة سوف تشهد تطورًا كبيرًا في المستقبل، وأنها لن تكتفي بما حققته في الحقب السابقة، وظل هيثم منذ تسلم مقاليد الحكم يكرّس وقته لبناء دولة المؤسسات، والعمل الجماعي، واختيار الأكفاء من المواطنين وإسناد العمل لهم، ووضع كل وقته وجهده في خدمة الوطن والمواطن، مؤجلاً أي زيارات خارجية تقتضيها مصلحة بلاده إلى أن يكون قد أنجز في الداخل الكثير مما وعد به شعبه، وهكذا بدأ اليوم أول زيارة تاريخية له خارج البلاد، ملبيًا دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لزيارة المملكة زيارة رسمية.
* *
وبين المملكة وسلطنة عُمان علاقة تاريخية تضرب جذورها في عمق التاريخ، وتعاون مشترك ظلت تحكمه أبجديات هذه العلاقة، ورسوخها منذ القدم، وما من موقف احتاج إلى الحكمة، وحسن التصرف، والعمل لمصالح دول المنطقة إلا وكان التنسيق بين سلطانة عُمان والمملكة، وما من نأي بالنفس عن التدخل في شؤون الغير إلا وكانت السلطنة والمملكة النموذج والمثال في ذلك، ولا من دولة ظلت بلا خصومات مع أخرى إلا وكانت المملكة وعُمان النموذج المشاهد في ذلك، ومع هذه الزيارة التي يقوم بها جلالة السلطان هيثم إلى المملكة سنرى المزيد من الاتفاقيات والتفاهمات والشراكات بين مسقط والرياض، بما يعزز من فرص التعاون المثمر والمفيد بين الشقيقتين السعودية وعُمان.
* *
وأحسبني لا أضيف جديدًا عندما أتحدث عن العلاقة السعودية - العُمانية، لأن ما يربط بين الرياض ومسقط أكبر في دلالاته وأهميته وصدقه وإخلاصه من كل الكلمات. وحسبنا حين نشاهد حرارة الاستقبال، ونتائج الزيارة كم نحن بكلماتنا لا نستطيع أن نعبر عن صدق المشاعر، وحجم التعاون، ومدى ما هو منتظر لتعميق هذه العلاقة بعد هذه الزيارة إلى ما هو أكبر وأعظم مما كان، وأننا اليوم وليس أمساً ولا غدًا أمام فرصة انتظرناها طويلاً ليكون التفاهم بهذا المستوى لينطلق البلدان بسرعة نحو صياغة الأهداف التي ينشدها مواطنو المملكة وعُمان.
* *
أهلاً بجلالة السلطان ضيفًا على أخيه خادم الحرمين الشريفين ملك هذه البلاد لبناء المزيد من جسور المحبة والتعاون، وللتأكيد على أننا أمام مستقبل مبهر، وعلاقات متميزة وغير مسبوقة.