محمد سليمان العنقري
لعل أهم ما تضمنته أهداف رؤية المملكة كنتاج لمجمل التحولات الاقتصادية هو هيكلة سوق العمل بما يتماشى مع مستقبل الأعمال واحتياجاتها ووضع المعالجة الجذرية لملف البطالة وتوطين الأنشطة الاقتصادية بنسب جيدة مع تحسين بنوعية الوظائف من حيث الدخل ورفع مستوى التأهيل لرأس المال البشري، وإذا كانت جائحة كورونا قد أفرزت تداعيات سلبية بالاقتصاد العالمي والمحلي لكنها بذات الوقت ومع خطط الدولة لاستيعاب آثارها والتقليل من مخاطرها أظهرت أهمية توطين المهن والعديد من الأنشطة الاقتصادية المهمة فمع تعطل الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد والإقفال الذي أصبح معه التنقل بين الدول معقداً تقلصت أعداد العمالة في الكثير من الدول حيث عادت عمالة بأعداد كبيرة لدولهم ومع تردي الحالة الوبائية ببعض هذه البلدان توقف السفر منها وإليها وأصبح هناك نقص لدى العديد من الدول التي تعتمد على العمالة الوافدة ولا يعرف متى ستتحسن أحوال تلك الدول من حيث توقف تفشي الفيروس.
فهذه العوامل مجتمعة فتحت الباب لتسريع التوجه نحو زيادة نسب التوطين بالقطاعات الاقتصادية وهو ما رفع من أعداد من توظفوا خلال الشهور الماضية من بداية العام ليصل الرقم إلى 420 ألفاً من المواطنين والمواطنات، فهذه الأزمة بكل تأكيد ستترك انطباعاً مهماً يستدعي إعادة التفكير بالقطاع الخاص بطريقة اعتماده على العمالة الوافدة بأعداد كبيرة لينتقل للتوسع باستخدام التقنية وأيضاً لتوفير احتياجاته من السوق المحلي وغالباً من الأيدي العاملة الوطنية فهي ليست خيارات بل باتت واقعاً فرض نفسه، لكن بالمقابل فإن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحكم مسؤولياتها عن سوق العمل تنظيمياً وإشرافياً ورقابياً تقوم هي أيضا بدورها لهيكلة سوق العمل منذ سنوات وبالتدرج وبمرونة مناسبة فالهدف دعم نمو الاقتصاد الوطني وأيضاً توفير بيئة صحية لسوق العمل ليكون دائماً جاذباً وأيضاً للاستمرار بحلول البطالة من جهة أخرى وفق التوجهات والآليات المطبقة حالياً.
ومع هذه التوجهات بالسوق إضافة لما أظهرتها جائحة كورونا من تداعيات بينت أهمية استخدام التقنية والاعتماد على العمالة الوطنية فإن القطاع الخاص من المفترض أن يقرأ هذه التوجهات جيداً ويتهيأ لها خصوصاً الشركات المتوسطة والصغيرة، فسوق العمل أصبحت توجهاته واضحة ولابد من اتباعها والاستفادة من المهل التي تعطى قبل تطبيق كل قرار جديد بنسب التوطين للمهن والقطاعات عموماً، وإذا كانت هذه الإصلاحات بالسوق قد بدأت منذ سنوات وتتزامن حالياً مع معطيات جديدة أفرزتها جائحة كورونا فإن عدم التأخر عن الاستعداد لهذه المتغيرات سيصبح أكثر كلفة على القطاع الخاص، فالسوق بنهاية المطاف متجهة للتنافسية الداخلية وليس الاعتماد فقط على العمالة الوافدة من الخارج إضافة لضرورة تطوير آليات التشغيل بإدخال التقنية والاعتماد عليها في تيسير الأعمال فمن لا يقرأ هذه المتغيرات ويتماشى معها ويستعد لها سيكون هو الخاسر الأكبر.
لا يمكن أن يكون هناك تحول نحو اقتصاد تنافسي دون تطوير وهيكلة لسوق العمل وهو ما يجري حالياً بما يتناسب مع تطورات الاقتصاد مستقبلاً، فالفرص الاستثمارية ستكون كبيرة ودور القطاع الخاص رئيسي بالتنمية وسيتولى العديد من الأعمال التشغيلية والتنفيذية بمجمل الإستراتيجيات التي اعتمدت في الصناعة والنقل والقطاع اللوجستي والسياحة وغيرها مما يعني أن استعداده لهذه الفرص يتطلب أيضاً إعادة هيكلة آليات العمل فيه نحو الاعتماد على العمالة الوطنية والتقنية على حد سواء لتقليل التكاليف ورفع مستوى التنافسية والقدرة على الاستدامة دون أن يتاثر بأي عوامل كما حدث بجائحة كورونا من حيث التشغيل، فالتغيير قائم وقادم بنسب أكبر بالاقتصاد وهو ما يعني فرصاً أكبر للاستثمار ولكن بآليات وتوجهات مختلفة في سوق العمل تستوعب طالبي العمل من المواطنين الحاليين وأيضاً القادمين للسوق مستقبلاً.