مها محمد الشريف
كثيرٌ من الأحداث لا تدرك خطورتها إلا بعد وقوعها، فالخوف يتصاعد درجات بداية من الإرهاب إلى جائحة كورونا، فقد كان الخوف الشائع يختبئ خلف عباءة الزمن، وفي حقبة أخرى اختلفت مفاهيم الخوف لدى العامة وعاد معظمها إلى واقع الحياة بأشكال مختلفة، ما من شك أننا نسير نحو قراءة جديدة للخوف تأخذنا إلى التعريف الأكثر بساطة وبداهة لانفعالات التي تدفع بالوعي إلى كنه الحقائق الطبيعية نتيجة إحساس غير مرئي، بيد أن الإنسان على مر العصور حاول استجداء الحقائق والتطلعات في البحث عن بديل للخوف في مواجهة الرغبة، فالدخول إلى المناطق المحظورة في ذهن الإنسان بات هماً يؤرّق العقل البشري، حتى تلك السلوكيات التي انقطع عنها، فقد طالب الفلاسفة الإغريق بإعادتها للواقع والنظر في تحركاتها الزمنية التي ربما تأتي مُغايرة عن سالفها.
أما السؤال الذي يواجه الكثير هنا، هل الخوف مما لا نعرف هو المحرك والدافع، أم أن الرغبة في الفهم من كل شيء هي ما نخاف ونتجاهل؟ إن هذا التساؤل يشوب علاقات لا حصر لها بين العقل والجسد، وبين الماضي والحاضر، والعتمة والضوء والانتقال من الجزئي المحسوس والخاص إلى الكلي المعقول والعام. فالإجابات المحتملة ليست إلا صياغة جديدة لانفعالات العقل مع الشيء ذاته وضده وقضيته الكبرى التي تتلخص في تطور واع يغير المفهوم القديم ويدرجه ضمن الفهم المتجدد رغم ظلام الزوايا التي تحيط به، فرغم مأساة الحرب التي شردت جزءاً كبيراً من العالم استنكر البشر عتمة الشاعر الأرجنتيني «الفريد لويس بورخيس» الذي أقام علاقة حميمة معها في ديوانه «مديح العتمة» مستدعياً ألفتها عن شحوبها ومودتها عن وحشتها، وقد تأثرت كتاباته بفقده للبصر، وكان من بين أكبر اهتماماته الفكرية عناصر علم الأساطير والرياضيات وعلم اللاهوت والفلسفة. تصور العالم بشكل مغاير لم يعد حبيس عقول الشعراء والفلاسفة في العصر الحديث ولكنه تطور باتجاه علاقة الإنسان الحديث بالأشياء واتصاله معها حركياً لا مجرد فكرة صنمية في ذهنه سواء كانت عن الطائرة أو المرتفعات وما شابه.
إن الرغبة الخلاقة دائماً ترتبط بخلاف الماضي، محاولة أن تستعير من واقعها صورة مغايرة من خلال التجربة، ولكنها تصطدم أحياناً بجمود الذات أو الرفض السلبي لنقد الماضي خوفاً من نقضه بشكل أو بآخر، فالعلم بذاته قائم على سحق الصورة المسبقة عن شيء ما بعد انتقائه في التجربة، وبهذا فإن أهمية علم الشيء أو إدراكه تطور بالضرورة للعلاقة معه، فالرغبة سبيل للتجربة، والتجربة اكتشاف لما هو مبُهم وبذلك إزالة الصورة الذهنية عنه واستدعاء أخرى أكثر وضوحاً.
وما يمكن أن نلاحظه اليوم من نتائج سابقة ناجحة تأسست على معطيات غامضة، ونظراً لعدم دقتها كادت أن تنتهي صلاحيتها أو انتهت لأن التقنية اليوم لا تقوم على النواقص أو المبهم والمتخفي، فقد قامت على طمس القديم المجهول ليظهر واضحاً جلياً، وكذلك هي الروح تسير في نهج الإدراك والمسائل السهلة والمباشرة وتحاول الوصول على تطابق كامل رغبة في الفهم.