اليوم الأحد الموافق 11 يوليو 2021 يشكل هذا التاريخ غاية الأهمية بين كل من سلطنة عمان وشقيقتها الكبرى السعودية، حيث أعلنت سلطنة عمان بأن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان سيقوم بزيارة رسمية الى المملكة العربية السعودية، وتحمل هذه الزيارة التي تعد الأولى لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان للمملكة العربية السعودية منذ توليه الحكم في 11 يناير 2020 ولقائه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دلالات سياسية كون البلدين يشكلان ثقلاً على مستوى دول المنطقة ونظرا لما يمثل دور البلدين في تحقيق الاستقرار على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
إن العلاقات بين البلدين لم تكن وليدة اليوم بل هي علاقات تاريخية وحضارية ضاربة في اعماق التاريخ ولعل اللقاء التاريخي في ثمانينيات القرن الماضي الذي جمع الوفد العماني رفيع المستوى بنظيره السعودي، حيث قال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله مخاطبا جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه إن العلاقات بين البلدين الشقيقين تاريخية، وهذا اللقاء هو تثبيت لهذه العلاقات التي بها صفة الاستمرار، وهي علاقات تتطور ببركة الشعبين الشقيقين.
اليوم نشهد تثبيتاً حقيقياً لحجم ومستوى هذه العلاقات، وهي علاقات ترسخ اقدامها نحو مزيد من العمل المشترك ونجني ثمار استمرار هذه العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين حيث نرى الرغبة المشتركة لتنميتها في مختلف الأصعدة، نظرا لتقارب العديد من الوجهات في دفع تنمية هذه العلاقات الى مستويات متقدمة.
اليوم يعلن الأشقاء في المملكة العربية السعودية رغبتهم الجادة في رفد العلاقات الاقتصادية والتجارية، ورغم ان المؤشرات التجارية والاستثمارية على مدار الخمسة عقود الماضية تشهد تطورا ملموسا إلا أن الرغبة المشتركة لتنمية العلاقات بين البلدين الشقيقين اصبحت واضحة المعالم، ورحبت السلطنة بتفعيل ورفع مستوى العلاقات الى اقامة مشاريع تجارية ذات قيمة مضافة حيث اعلنت المملكة العربية السعودبة رغبتها الأكيدة عن استثمار نحو 150 مشروعاً باستثمارات تقدر بنحو مليار ونصف مليار ريال عماني. ومما لاشك فيه أن هذا الاستثمار السعودي سوف يساهم في رفد وتعزيز البنية الاقتصادية العمانية ويزيد من حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث يرى العمانيون ان العلاقات المتميزة بين البلدين لابد ان تنعكس ايجابيا على مختلف الأصعدة، خاصة الجانب التجاري والاستثماري فمازال متواضعا ولا يعكس طموح الشعبين الشقيقين، خاصة ان البنية التحتية العمانية جاهزة لاستقبال المزيد من الاستثمارات السعودية ذات القيمة المضافة. ويمكن ان تترجم سلطنة عمان جديتها ورغبتها بتعزيز الميزان التجاري وتفعيل حجم المبادلات التجارية والاستثمارية المختلفة حيث يشجع دخول المشاريع السعودية توفر المناطق الاقتصادية الحرة في كل من صحار وصلالة والدقم وهذه المناطق مكتملة الأركان وجاهزة لإقامة أية مشاريع بمختلف الأحجام، سواء كانت صناعية أو سياحية أو زراعية ومشاريع الطاقة المتجددة، وكذلك المشاريع المتعلقة بالخدمات اللوجيستية، وهذه الأخيرة قد تكون فرصة مشتركة حيث اطلقت المملكة العربية السعودية استراتيجية النقل والخدمات اللوجستية، وهذه تعتبر فرصة سانحة للبلدين بعد الإعلان عن فتح الطريق البري الذي سيربط بين البلدين الشقيقين، وسيكون هذا الطريق المنفذ المهم لانتقال السلع وبالتالي سينعكس ذلك على تنمية ورفع حجم العلاقات والمبادلات التجارية بين البلدين الشقيقين.
من المهم حاليا ان نناشد صناع القرار في البلدين بالعمل على التسهيل وتبسيط الإجراءات لكي تتحقق الرؤية المشتركة التي تتطلع الى تجاوز التحديات، بحيث نرى دوران عجلة هذه المشاريع قد اخذت مواقعها على ارض الواقع، سواء في مسقط أو الرياض.
تنخرط العلاقات بين البلدين في ترجمة رؤية البلدين نحو رفع احجام التبادل التجاري والاستثماري وبلغة الأرقام يصل عدد الشركات السعودية المستثمرة في سلطنة عمان حتى نهاية عام 2020 نحو 1080 شركة وتقدر حجم استثماراتها بنحو 190 مليون ريال عمان، ويحدو الأمل لدى الأوساط العمانية برفع نسبة الاستثمارات السعودية في السلطنة مستقبلا بأضعاف مضاعفة لهذا الرقم الذي يعتبر متواضعا مقارنة بالمستوى المتميز للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين الشقيقين.
وتوضح المصادر العمانية ان الاستثمارات السعودية في سلطنة عمان تتوزع في ثلاثة قطاعات اساسية وهي قطاعات التجارة والإنشاءات والخدمات. ويشكل معدل النمو السنوي للواردات السعودية الى سلطنة عمان في الأعوام الخمسة الماضية (2016- 2020) بنحو 7 % فيما يشكل المعدل السنوي للصادرات العمانية الى المملكة العربية السعودية خلال الأعوام الخمسة (2016- 2020) بنحو 7،5 %.
نحن كشعبين شقيقين فرحنا بهذا التلاقي في الأفكار. وقد اطلق المغردون في البلدين وسماً في تويتر #عُمان_والسعودية _مستقبل _مشرق. وعبر المواطنون عن فرحتهم للمستوى المتقدم في العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، ولعل حكمة القيادتين جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. حفظه الله ورعاه، قد رسمت خارطة الطريق لجعل العلاقات بين الشقيقين مصدر فخر واعتزاز. بالإمكان ان تثبت هذه الاستثمارات السعودية الضخمة اقدامها في المناطق الحرة العمانية خاصة منطقة الدقم الاقتصادية والتي تتميز بموقعها الاستراتيجي بوجود بنية تحتية مكتملة، حيث استثمرت الحكومة الرشيدة في تجهيز المرحلة الأولى من البنية التحتية باستثمارات تتعدى 3 مليارات ريال، وهذا مما لاشك فيه سيكون عامل جذب لأية مشاريع من الشقيقة المملكة العربية السعودية، ويمكن من خلال هذه الاستثمارات في مشاريع الطاقة والبتروكيماويات والخدمات اللوجستية إعادة الروح من جديد لإعادة احياء مشروع القطار الخليجي. ويمكن ايضا الجانب السعودي بما تملك من الخبرات من خلال شركة ارامكو ان تستثمر في رفد قطاع النفط والغاز، وهذا سيشكل منظومة التكامل الاقتصادي وسيوفر فرص عمل لمواطنين بين البلدين الشقيقين.
هناك جهود تبذل ورؤية مشتركة ولابد أن لا تعرقل هذه الجهود بل تدعم من قبل قيادة البلدين ولعل وجود هذه الشركات السعودية الكبيرة يخلق فرص عمل لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بين البلدين، كما ستسهم في انتقال الخبرات بين البلدين، وبذلك ستتمكن كل من السلطنة والمملكة العربية السعودية من تحقيق متطلبات رؤية عمان 2040 ورؤية المملكة 2030.
نسأل الله ان يكلل هذه الجهود بالنجاح وتنطلق العلاقات بين البلدين الى آفاق جديدة معلنة العزم والحزم في رؤية مشتركة أساسها الاحترام المتبادل.
** **
حمود بن علي الطوقي - كاتب صحفي- رئيس تحرير جريدة الواحة العمانية