عطية محمد عطية عقيلان
تمر حياتنا بمنعطفات وتقلبات فكرية بمقتضى العمر والقراءة والعلاقات والخبرة المكتسبة وتبيان الحقائق وبمناقشة أهل الحكمة والتجربة والعلم، وتتغير قناعاتنا وتتبدل أو تتطور نظرتنا وننتقل في محطة إلى أخرى، إلا أنه تبقى أشياء لا نفهمها أو نستطيع تفسيرها وإدراكها، يقول الكاتب الياباني هاروكي موراكاي «حتى بعد مرور السنين وتراكم الخبرات، هناك أشياء كثيرة لن نفهمها»، فمهما بلغنا من الخبرة والمعرفة ومرور السنين لا يمكن إصدار الآراء القطعية وفهم كل الجوانب، فنحن لسنا فاكهة أو خضار أو طبخة ننضج بمرور الوقت فقط بل نحتاج إلى عوامل متعددة ومتنوعة وإن كان الوقت من بينها ومن أهمها أيضًا، فالدكتور مصطفى محمود يقول إنه احتاج 30 عامًا من الغرق في الكتب وآلاف الليالي من الخلوة والتفكير والنقاش حتى استطاع الوصول إلى درب اليقين، ونكون من المحظوظين السعداء في الحياة عندما يكون انتقالنا إلى الأفضل عن السابق، وأيضًا من القصص الملهمة للانتقال الإيجابي المفيد ما حدث مع مالك بن الريب وهو من فرسان بني مازن وكان شابًا شجاعًا فتاكًا لا ينام الليل إلا وسيفه بين يديه من كثرة ما يحمله من الشر، ولكنه استعمله في قطع الطريق والنهب وترويع الناس فكان من جماعة «الصعاليك» التي تأسست في الجاهلية والمعروفة بخروجها عن أعراف القبائل وتعاليمها، وحدث له تغيير وانتقال جذري في حياته بعد أن التقى به سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما وأقنعه بالعدول عن قطع الطريق والانضمام إلى جيش المسلمين، وأصبح شخصًا آخر يستخدم بسالته وقوته وشجاعته في نصرة الحق وطاعة ولي أمره، وانضم إلى جيش عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأدركته المنية عند عودته من أحد الغزوات ورثى نفسه وهو يحتضر بقصيدة طويلة مؤثرة تعتبر أول قصيدة رثاء للنفس في العشر العربي، فحملت خبرة وحكمة وعاطفة جياشة وندم على أخطائه وسعادته بالهداية، ومنها هذه الأبيات:
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا
برابية إني مقيم لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعض ليلة
ولا تعجلاني فقد بدا مابيا
فتجربة مالك بن الريب ومرثيته لنفسه حكاية واقعية للتحولات الانتقالية الإيجابية التي يمر بها الإنسان وتحتاج دوماً منا مراجعة حياتنا وتعديل مسارنا وترجمة ما كسبناه من خبره وتعلمناه من أخطائنا، وهذه التحولات تحدث معنا في حياتنا وتحتاج إلى العمل والاجتهاد من تراكم للسنوات والمعرفة لأخذ العبرة من الماضي واستشراق المستقبل ليكون الانتقال إيجابياً وفاعلاً ودوماً للأفضل والأرقى وحقيقي يصيب الجوهر والأفعال وليس الأقوال فقط، فحتى الشركات الخاصة لتستمر وتبقى في المنافسة وتكسب رضا العملاء، تحتاج إلى التجديد في هويتها وتطوير خدماتها لتحقق انتقالاً أفضل وأجود وفعال يجذب عملاءها ويحقق طموحهم ورضاهم، وليس تغييراً شكلياً في شعاراتها دون انتقال حقيقي في خدماتها وجودتها تتناسب مع منافسيها وتغييراتها، لتكون التحولات الانتقالية مثمرة وبناءة، لذا عندما تكون شكلية فقط تسوء الخدمة وتنحدر الشركة وحتماً تخسر الملاء وتخرج من المنافسة والسوق، وتعجبني مقولة المفكر مارك توين «القرارات الجيدة تأتي من الخبرة والخبرة تأتي من القرارات السيئة» فلنحرص على اكتساب الخبرات وتطوير مهاراتنا والقراءة المستمرة كمنهج حياة والبحث عن مرحلة انتقالية في الشكل والمضمون ليكون مردودها مفيداً عن المرحلة السابقة حتى لا تكون مرحلة «انتقال بشع» نحو الأسوأ ولنعتمد مبدأ تقييم وتمحيص ما نقوم به من انتقالات وعلاقات وصداقات وشراكات وتعديل مسارها سريعًا عند اكتشاف ضررها، لذا تستوجب منا التأكد بأنها مفيدة وأفضل على صحتنا وسمعتنا وعلاقاتنا وإرثنا ووطننا وكافة مناحي حياتنا عن السابق، فهذه التنقلات محسوبة من عمرنا وأيامنا وصحتنا وسعادتنا وجهدنا فهي ثمينة جدًا ولا تقبل المجازفة دومًا فقط من أجل الانتقال الشكلي المضر، وكما يقول نجيب محفوظ «الحياة لا تعطي دروسًا مجانية لأحد، فحين أقول الحياة علمتني تأكد أني دفعت الثمن».