سوف يتم إحياء الذكرى 26 للإبادة الجماعية للبوشناق في سربرنيتسا، كما سيتم أداء صلاة الجنازة لضحايا الحدث الأكثر مأساوية وسوداوية في تاريخ أوروبا الحديث، في هذا اليوم سيتم دفن بقايا 16 ضحية أخرى تم التعرف عليها وإيجاد بقاياها في المقابر الجماعية.
الإبادة الجماعية في سربرنيتسا تعتبر قتلاً جماعياً ومخططًا لعدد كبير من الذكور الرجال والأولاد في عمر 12-77 سنة، وذلك لأكثر من 8000 منهم في فترة ما بعد سقوط المنطقة الآمنة للأمم المتحدة، قبل ذلك هذه المنطقة المعزولة ظلت محاطة ومجوّعة ومهاجمة بشكل دوري، حتى تم إعلانها منطقة آمنة تحت حماية الأمم المتحدة، وبذلك تم عزل أسلحة سكانها الذين ظلوا يدافعون عن أنفسهم وبلدتهم ضد جيش الصرب المتفوق عليهم بجميع الإمكانيات، وللأسف جنود الأمم المتحدة المكلفون بحماية المنطقة المعزولة الآمنة لم يفعلوا شيئًا لإيقاف سقوطها أو المذبحة اللاحقة لذلك.
منذ 2004م قام مجلس الاستئناف بمحكمة الجرائم الدولية لدول يوغسلافيا السابقة في لاهاي بإصدار قرار والموافقة عليه بالإجماع بالحكم في قضية ضد أحد القياديين في جيش صرب البوسنة (كرستيتش)، والذي ينص على أن المذبحة التي حصلت للذكور في المنطقة الآمنة بسربرنيتسا تعد إبادة جماعية، وجريمة بحسب القوانين الدولية. كذلك قامت محكمة العدل الدولية باعتماد نفس الأحداث في قرار التحكيم في قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا، وفي تلك الأثناء قامت المحكمة الدولية في لاهاي بإدانة القيادة العسكرية والسياسية لصرب البوسنة بسبب الجرائم في البوسنة والهرسك والإبادة الجماعية في سربرنيتسا، كما قامت قبل عدة أسابيع أيضًا بإدانة قيادات الأجهزة الأمنية في جمهورية صربيا.
بالرغم من إقرار المحاكم الدولية لحقيقة الأحداث التي وقعت في البوسنة والهرسك في التسعينيات، لا يزال البعض في البوسنة والهرسك ومحيطها لا يعترفون بالحقيقة، ويستمرون في إنكار الجرائم والإبادة الجماعية، وهؤلاء ينتمون للماضي، إننا نأمل أن رؤية الحقيقة سوف تكون فرصة من أجل إعادة الثقة في منطقة البلقان والبدء ببناء مرحلة السلام والازدهار، لأن الصلح غير ممكن بدون الاعتراف بالحقيقة.
بعد الحرب العالمية الثانية ومأساة الهولكاوست قال العالم (لا، للأبد) ولكن للأسف تكرر الشر في البوسنة والهرسك في التسعينيات، ولذلك من المهم أخذ الدروس من الماضي، ونشر الحقيقة لا من أجل نشر الكراهية والثأر، بل من أجل الحد من تكرار الأخطاء ومثول مرتكبيها أمام العدالة.
إن التعاطف مع ضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا ليس واجب البوشناق، أو المسلمين، أو أي طائفة دينية أو قومية فقط، بل هو واجب البشرية جمعاء، لأن الإنسانية تمت خيانتها في سربرنيتسا، الإنسانية هناك رسبت في الامتحان، والإبادة الجماعية في تعريفها تعد أشد جريمة بحق الإنسانية.
المملكة العربية السعودية مع ضحايا الإبادة الجماعية في سربرنيتسا
حكومة المملكة العربية السعودية وشعبها طوال مدة العدوان على البوسنة والهرسك قدموا دعمهم لشعب هذه الدولة الآمنة التي ظلت قرونًا مثالاً ورمزًا للتعدد والتعايش ضمن الاختلافات، ذلك الدعم تمثل في سعيهم في المحافل الدولية إلى إيقاف الحرب، وامتد إلى تقديم الدعم والمساعدة للاجئين والمهجرين، وبعد الحرب كانت المملكة العربية السعودية من أكبر الدول التي قدمت المساعدات لإعمار البوسنة والهرسك، وبناء السلام وعودة المهجرين، مع عناية خاصة بأولئك الذين قرروا العودة إلى مدنهم التي طردوا منها خاصة مدينة سربرنيتسا، ويجري حاليًا العمل مع الصندوق السعودي للتنمية على مشروع مماثل في سربرنيتسا من أجل رعاية النازحين.
كل عام يقوم وفد من مجلس شورى المملكة العربية السعودية بالمشاركة في مراسم إحياء ذكرى سربرنيتسا وأداء صلاة الجنازة على الضحايا، وفي العام الماضي عندما تم إحياء ذكرى مرور 25 عامًا على جريمة الإبادة الجماعية للبوشناق في سربرنيتسا، ضمن العديد من مسؤولي وممثلي دول العالم قام صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله آل سعود وزير خارجية المملكة العربية السعودية بتوجيه رسالته إلى أمهات سربرنيتسا والإعلام العالمي.
ولذلك فإننا في البوسنة والهرسك ممتنون لإخواننا وأصدقائنا من المملكة العربية السعودية الذين يحافظون على حقيقة ما حدث في البوسنة والهرسك والإبادة الجماعية في سربرنيتسا، والذين يعملون دون كلل أو ملل على بناء السلام والثقة بين شعوب ومواطني البوسنة والهرسك.
لقد كنا معًا في أصعب الأوقات وسنبقى معًا في المستقبل المشرق أمام بلدينا الشقيقين بإذن الله.
** **
محمد يوسيتش - سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة العربية السعودية