يستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - ملك المملكة العربية السعودية أخاه جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد - حفظهما الله ورعاهما. وبلا ريب تكتسب هذه الزيارة وما صاحبها من استقبال مهيب وحار لضيف المملكة أهمية بالغة كونها أول زيارة رسمية يقوم بها جلالة السلطان هيثم إلى خارج البلاد منذ أن تولى مقاليد الحكم في السلطنة في 11 يناير 2020م، كما أنها تلامس تطلعات شعبي البلدين خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية من الزمن.
ففي حين أن الكثير من الدول تسعى جاهدة إلى تحقيق وحدة الصف وتوافق الآراء والمصالح، تأتي زيارة جلالة السلطان هيثم إلى المملكة لتبرهن للعالم أجمع أن المملكة والسلطنة تبعدان كل البعد عن مواطن الاختلاف، بل تعيشان في وئام وانسجام وتتحدان في مواجهة التحديات القائمة وتحقيق كل سبل السعادة والرفاهية لشعبيهما، والتي حسب وصف غاندي أن السعادة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان هناك توافق وانسجام «بين ما تفكر به وما تقوله وما تفعله».
أما عن العلاقات الأخوية التي تربط المملكة والسلطنة فإنها ضاربة بجذورها في عمق التاريخ وتعود إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز والسلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراهما. ولعل ما يميز هذه العلاقة بأن القواسم المشتركة ومواطن الالتقاء التي تدعم العمل المشترك ووحدة الصف وأواصر التعاون تفوق ما سواها من مواطن أخرى. وإن دل هذا عن شيء فإنما يدل على المكانة البارزة والرفيعة التي تحتلها المملكة عبر التاريخ، كونها مهداً للحضارة الإسلامية وموطناً للأماكن المقدسة لدى المسلمين. ولم تنأ المملكة قط بنفسها عن مصالح العالمين العربي والإسلامي، إذ سعت جاهدة أن تأخذ على عاتقها كل ما من شأنه الإسهام في رقي ورفعة الأمتين العربية والإسلامية، وأصبحت محيطاً هادئاً يقصده كل عربي ومسلم وكل صديق لها من داخل المنطقة وخارجها. ولا ريب أن تجد أن مع كل الأحداث التي وقعت في العالم، تسعى المملكة إلى لم الشمل بين الدول وترحب بالضيف أشد ترحيب وتكرمه أفضل كرم، لذا حازت المملكة على احترام الجميع وتقديرهم، ومن هنا تجد أن السعودي أكرم الناس أخلاقاً، وأنبلهم فطرة، وأطيبهم عنصراً، وأخلصهم جوهراً.
ولقد اتسمت سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالحنكة في التعامل مع الكثير من المواقف، وقد أوتي الحكمة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (سورة البقرة، 269)، مما أكسب المملكة نهجاً فريداً وأسلوباً مميزاً في التعامل مع الدول الشقيقة والصديقة لها. ولعل ما يميز حكمة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - أنها ينطبق عليها قول الفيلسوف الإغريقي Pericles الذي قال «إن أثر الإنسان لا يقاس بما يكتب في المناسبات وإنما بما يتركه من أثر في حياة الآخرين». لذا لا ريب أن تجد أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- سخرت إمكانياتها ومواردها في خدمة الكثير من الدول وتخفيف وطأة معاناة الشعوب الأخرى، لتسلك المملكة سبلاً فجاجاً من سبل الخير التي اختارها لها جلالته مقتفية أثره ونهجه.
أما في سلطنة عمان فيقود حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- مسيرة البلاد بكل حكمة، مما مكنها من التعامل مع الكثير من القضايا بكفاءة واقتدار. ولقد تميز نهج السلطنة بقيادة جلالته بالنظرة الثاقبة والقراءة المتعمقة للأحداث التي تدور من حولها، وخصوصاً في القضايا التي تتعلق بالأمتين العربية والإسلامية، وهي حقيقة لا يماري فيها اثنان.
ولعل من نعم الله على المملكة العربية السعودية أن الله حباها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- والذي يتسم بالحكمة والنشاط والرؤية الثاقبة. وهنالك إجماع عام بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أحدث تغيرات وتحولات لم يسبق لها مثيل في تاريخ المملكة مما أكسبها مكانة رفيعة متميزة في العالم. ومن الأمور التي لا مرية فيها أن الشباب في المملكة تغمرهم الفرحة والسعادة بما يلامسونه من تطورات في مختلف المجالات وتحولات واضحة للعيان يشاهدها كل مواطن ومقيم وزائر للمملكة. ولا يمكن وصف هذه التحولات إلا بمقولة الكاتب الإيرلندي والمفكر جورج برنارد شو الذي قال «لا يمكن أن يتحقق التقدم والتطوير بدون تغيير ولا يمكن لأولئك الذين لا يتسمون بالقدرة على التغيير في إحداث أي تغيير». ومن هنا نجد أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود مسيرة المملكة برؤية ثاقبة ونهج متقد لا يضاهيه أي نهج نحو المستقبل، مما جعل العالم يتجه بأنظاره نحو المملكة بتعطش وتلهف لرؤية التغيرات فيها بما يتواكب ومقعدها العالي والمرموق الذي تتبوأه على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
وتبعث زيارة جلالة السلطان هيثم إلى مملكة الخير والعطاء الأمل والتطلعات بما قد يتمخض عنها من قرارات مهمة للغاية لتؤتي بثمارها اليانعة بإذن الله تعالى. ويأمل على وجه الخصوص كل من شعبي البلدين السعودي والعماني أن تحقق هذه الزيارة تعاوناً في الجانب الاقتصادي وتبادل التجارة والسلع وتعاوناً في مجالات التعليم والصحة وغيرها من المجالات الأخرى، ويترقبون بشغف لقاء عاهلي البلدين، متمنين كل التوفيق والتقدم والازدهار لأشقائنا في المملكة العربية السعودية.
** **
د.مسلم بن علي بن سالم المعني - الزهراء سلطنة عمان