«الجزيرة» - علي سالم العنزي:
امتدت مسيرة العلاقات السعودية - العمانية منذ الدولة السعودية الأولى وحتى وقتنا الحاضر، حيث تأسست تلك العلاقات على روابط الدين والقومية والجوار، إلى جانب المواقف السياسية والاقتصادية المتبادلة بين القيادتين، إضافة إلى أن هاتين الدولتين من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م.
المواقع الاستراتيجية
ويعزز العلاقات السعودية العمانية الأساس الاستراتيجي الذي يتجاوز المراحل الوقتية حيث تنطلق تلك العلاقات من روابط متينة من خلال موقع استراتيجي مهم على البحار المفتوحة حيث تقع البلدان على تماس مواقع إقليمية ودولية.. إذ تطل المملكة على البحر الأحمر في غربها وعلى الخليج العربي في شرقها، بينما تشرف سلطنة عمان على أحد أهم المضايق البحرية في العالم وشريان الطاقة للعالم وهو مضيق هرمز في أقصى شمال السلطنة وهناك المحيط الهندي وبحر العرب في شرق وجنوب السلطنة علاوة على بحر عمان والخليج العربي.
ومن خلال الموقع الاستراتيجي للبلدين الشقيقين تكونت الرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبرزت التحركات المثمرة بين قيادتي البلدين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظهما الله - علاوة على المشاورات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين خلال الشهور الأخيرة لتوثيق تلك العلاقات.
ومن العوامل التي أوجدت تناغماً سياسياً واقتصادياً بين البلدين الشقيقين ما تم رصده من تحركات دبلوماسية واقتصادية في كافة المجالات علاوة على زيارات لوزيري خارجية البلدين على مدى المرحلة الأخيرة.
الزيارة المرتقبة
تمثل الزيارة المرتقبة للسلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- إلى المملكة المرتقبة خلال الأسبوع المقبل ولقاؤه بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأيضاً سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان دلالة وأهمية كبيرة، وهذا يعود إلى عدة عوامل من أبرزها أن هذه الزيارة هي الأولى الرسمية منذ توليه الحكم في يناير من العام الماضي، ومن هنا فإن هذا الحدث يمثل قيمة سياسية خاصة وأن زيارة جلالة السلطان إلى بلد مهم واستراتيجي كالمملكة تمثل منعطفاً مهماً من خلال وجود رؤية عمان 2040 وأيضاً وجود رؤية المملكة 2030.
إن لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بأخيه السلطان هيثم بن طارق وأخيه -حفظهما الله- هو تتويج لعلاقات تاريخية ولمكانة البلدين الاستراتيجية على صعيد عدد من الملفات الاستراتيجية سواء فيما يخص علاقات البلدين اقتصادياً وتجارياً وفي مجال الاستثمار والتكامل اللوجستي والصناعي أو فيما يخص التنسيق السياسي الذي شهدته المرحلة الأخيرة سواءً كان في إيجاد حلول بشأن اليمن أو فيما يتعلق بالمنطقة بشكل عام مما يهدف إلى حماية الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي بشكل خاص أو على مستوى العالم، بالإضافة إلى ما تهدف اليه النظرة المشتركة والحوار العميق لتحقيق مصالح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ومنذ تسلم السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، والعلاقات السعودية - العُمانية تعيش انتعاشاً ملحوظاً وتنسيقاً دبلوماسياً متزايداً على وقع زيارات قادة ومسؤولي البلدين بين الرياض ومسقط، التي كان أبرزها زيارة قصيرة العام الماضي، قام بها الملك سلمان على رأس وفد رفيع إلى مسقط، التقى خلالها السلطان هيثم لتأدية واجب العزاء في وفاة قابوس بن سعيد سلطان عُمان الراحل.
علاقات عميقة
وتأتي زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى المملكة استجابة لدعوة كريمة من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتعكس عمق العلاقات السعودية- العمانية في مختلف المجالات.
تعزيز الثنائية
وتكنّ المملكة كل تقدير واحترام لسلطنة عمان كدولة شقيقة وعضو في مجلس التعاون الخليجي، ويسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما في مختلف المجالات، وتطوير أوجه التعاون المشترك، بما يتناسب مع رؤية قيادتي البلدين وتطلعات شعبيهما.
عمق استراتيجي
ويؤكد اختيار السلطان هيثم المملكة كأول محطة في جدول زياراته الخارجية الرسمية، أهمية المملكة بالنسبة للعمانيين كشقيقة كبرى وعمق استراتيجي، تعززه الوشائج الأخوية وأواصر القربى والجوار بين الشعبين، ووحدة المصير المشترك بين البلدين.
تعزيز العلاقات الاقتصادية
ويعمل البلدان الشقيقان على تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، والتعاون المشترك في مجال التجارة والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة، بما يخدم توجهات البلدين لتحقيق رؤية «المملكة 2030» ورؤية «عمان 2040»، وما تتضمنه الرؤيتان من مستهدفات ومبادرات للتنوع الاقتصادي.
رؤية مشتركة
كما يتطلع البلدان أن يسهم تأسيس مجلس التنسيق السعودي- العماني في وضع رؤية مشتركة لتعميق واستدامة العلاقات بينهما، ورفعها إلى مستوى التكامل في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية، بما يخدم أهداف البلدين، ويحقق آمال وتطلعات القيادتين والشعبين الشقيقين.
المنفذ البري
وتعمل المملكة وسلطنة عمان على استكمال مشروع المنفذ البري الذي يربط بين البلدين، ومن المتوقع أن يسهم المنفذ بعد افتتاحه في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، كما أن هذا المنفذ سيفتح المجال أمام حركة البضائع من المملكة مروراً بالطرق البرية في السلطنة، وصولاً إلى موانئها التي ستسهل تصدير البضائع السعودية للعالم.
التبادل التجاري
وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين المملكة وسلطنة عمان في العام 2020 نحو 3.36 مليار دولار، تشمل الحديد والصلب ومنتجات كيميائية عضوية، فيما بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية إلى سلطنة عمان 1.16 مليار دولار، تشمل منتجات معدنية ومصنوعات من الحديد أو الصلب والأغذية.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر
وفي جانب آخر، فإن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أعلن عنها سمو ولي العهد -يحفظه الله- تعتبر مجالاً واعداً للتعاون بين المملكة وعمان في مكافحة التغير المناخي.
التعاون الاقتصادي
على المستوى الاقتصادي، تحافظ المملكة وعُمان على علاقة متينة يعززها وجود البلدين كعضوين في مجلس التعاون الخليجي الذي يتبنى مبادرات مشتركة لتعزيز اقتصادات دوله. وقد شهدت الفترة الأخيرة زيارات متبادلة حيث تضمنت النقاش بين المسؤولين، فرص الاستثمار بين البلدين، في محادثات تناولت تنويع الاقتصادات والقطاعات ذات الفرص الاستثمارية، مما سيسهم في تشغيل أبناء الشعب العماني من خلال الاستثمار في سلطنة عمان وفتح مجال الوظائف لخفض نسبة البطالة.
تحديد المجالات
وكان سفير سلطنة عمان في المملكة صاحب السمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد قد أوضح في لقاء بين غرفة تجارة وصناعة عمان واتحاد الغرف السعودي تم مؤخراً بأنه من المهم جداً تحديد مجالات الحراك الاقتصادي بين البلدين.. مشيراً إلى أنه من المتوقع أن «نشهد في القريب العاجل توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين والكثير من هذه الاتفاقيات التي تهم القطاع الخاص».
ونوه سعادة السفير إلى أهمية وجود إطار واضح لدور مؤسسات القطاع الخاص في الاتفاقيات التجارية، إضافة إلى تشكيل فرق قطاعية في الزراعة والتجارة والصناعة لبلورة أهداف المجلس على أرض الواقع واستثمار تقارب وجهات النظر بين البلدين لتفعيل البرامج المطروحة.
فرص استثمارية بـ 15 مليار ريال
وشهدت مؤخراً تحركات سعودية - عمانية لتعزيز الاستثمارات السعودية في سلطنة عمان حيث طرح وفد عماني يضم عدداً من الجهات الحكومية والخاصة نحو 150 فرصة استثمارية في عمان تقدر قيمتها بـ 15 مليار ريال سعودي في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وذلك خلال لقاء جمع أعضاء مجلس الأعمال السعودي - العماني وعدد من أصحاب الأعمال.
وأكدت وكيلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في سلطنة عمان أصيلة بنت سالم الصمصامية خلال اللقاء أهمية تكامل الجهود بين الرؤية السعودية 2030 والعمانية 2040م، مشيرة إلى وجود الكثير من التقاطعات بينهما في التوجهات بما في ذلك التنويع الاقتصادي وسعي بلادها لدعم الاقتصاد عبر تكوين شركات وكيانات اقتصادية مشتركة وقوية داعية إلى تشكيل فرق عمل تشمل كافة القطاعات الواعدة التي أبرزها القطاع السياحي والنقل البحري والصناعات التحويلية.
ووصفت الوكيلة زيارتها على رأس وفد عماني بأنها «زيارة استطلاعية» لتحقيق أهداف سريعة وأخرى طويلة المدى مشددة على عزم بلادها لتذليل كافة التحديات التي تواجه الاستثمار السعودي في عمان.
التقاء الرؤيتين
ومن خلال تلك الجهود العظيمة لجميع القطاعات هنا تبرز أهمية العلاقات الاقتصادية والاستثمارية المشتركة، حيث تطمح القيادتان إلى رفع مستوى التبادل التجاري بينهما إلى مستوى أعلى، والاستفادة من مقومات البلدين في هذا الإطار، وتفعيل أعمال اللجنة العمانية - السعودية المشتركة.
فرؤية المملكة 2030 وعمان 2040 تشتملان على العديد من المشاريع العملاقة والمتنوعة التي تتطلب التعاون بينهما لتحقيقها بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين، فيمكن ربط المناطق الصناعية المتطورة في المملكة بالدقم وميناء صلالة، ويكون هناك حراك اقتصادي قابل للتدوير والتفعيل مما سيزيد من التبادل التجاري بين البلدين لآفاق أوسع وأرحب خلال السنوات القليلة المقبلة.
الطريق البري
وستشهد الأيام المقبلة افتتاح الطريق البري بين المملكة وسلطنة عمان حيث سينشط التعاون والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين مسقط والرياض وسيسهل الكثير من الأمور، وينشط العديد من الجوانب المهمة لكلا البلدين، ويعد الطريق الرابط بين المملكة وسلطنة عمان طريقاً استراتيجياً وهو طريق مباشر عبر الربع الخالي ومباشرة من الأراضي العمانية من شمال السلطنة إلى الأراضي السعودية ويختصر مسافة 800 كيلومتر وهذا تطور نوعي كبير حيث إن الطرق السريعة بين الدول هي جسور تواصل بين الشعوب.
النزاع اليمني
وفيما يتعلق بالحرب في اليمن والدور الذي تلعبه سلطنة عمان، فقد مارست سلطنة عمان دور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، ودخلت على خط الوساطة لإقناع جماعة الحوثي المدعومة من إيران بالدخول في حوار سياسي مع حكومة هادي المدعومة دولياً، وأبلغت مسقط حينها جماعة الحوثي ضرورة تجنب التصعيد العسكري قبيل اقتحامهم مدينة عدن.
وتواصل عُمان بالتنسيق مع المملكة جهودها لوقف التصعيد، حيث تجري عمان العديد من الزيارات لجماعة الحوثي لدعم الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في البلد الغارق في الحرب، حيث أكدت عدد من المصادر أن زيارات الوفود العمانية دائماً ما ترتكز على محاولات حلحلة الأزمة، وإقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام».
السلطان هيثم يخط مساراً
منذ أن أقسم السلطان هيثم بن طارق آل سعيد اليمين الدستورية خلفًا للراحل السلطان قابوس بن سعيد، تحولت أنظار الجمهور العُماني إلى القرارات الأولى التي سيتخذها عند توليه السلطة. حيث أصدر العديد من القرارات في أول مئة يوم له كسلطان على هذه المبادئ ومنها إبراز دور العاملين وإصلاحات في صلاحيات مجلس الشورى وإعادة هيكلة الدولة وفتح فرص العمل لشباب السلطنة.
مرحلة تاريخية
وجاء تولي السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الحكم في سلطنة عمان في مرحلة تاريخية مهمة، نظراً لما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية، تتطلب التعامل معها، مع مراعاة المحافظة على تقاليد الحكم الراسخة في السلطنة، وضرورات ومتطلبات التغيير والتحديث.
إصلاحات
بادر السلطان هيثم بن طارق بعد توليه السلطة إلى الإعلان عن إصلاحات سياسية ومالية واقتصادية، وتطوير هيكلة أجهزة ومؤسسات الدولة، لتصبح أكثر فاعلية في تلبية آمال وطموحات الشعب العماني والمحافظة على سلامة واستقرار البلاد.
مواصلة النهج
كما تعهد السلطان هيثم بمواصلة النهج الذي اتبعته سلطنة عمان في سياستها الخارجية، من خلال الالتزام بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ودفع مسيرة التعاون بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
خبرة متراكمة
وفي جانب آخر، يواجه السلطان هيثم بن طارق التحديات الحالية والمستقبلية بخبرة متراكمة من العمل الدبلوماسي والحكومي، امتدت لسنوات طويلة قبل توليه الحكم، لاسيما توليه رئاسة اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية «عمان 2040».
دور بارز للأسرة الحاكمة
كان القرار الأبرز الذي اتخذه السلطان هيثم خلال أيامه الأولى في السلطة هو تعيين شقيقه شهاب بن طارق نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع. وكان هذا المنصب، الذي تم استبداله فعلياً بمنصب الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع، قد بقي شاغراً لسنوات. ومع ذلك، فقد أعاد هيثم هذا المنصب وعين شقيقه فيه بموجب المرسوم السلطاني رقم 14 /2020، وهو ما منحه سلطات تنفيذية على جميع الكيانات العسكرية في البلاد.
خلال حكم السلطان قابوس، شغل شهاب منصب قائد البحرية السلطانية في عُمان لمدة 14 عاماً، وهو ما منحه معرفة مباشرة وواسعة بوزارة الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، يشغل شقيق السلطان هيثم، أسعد بن طارق، منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي. ويشير تعيين شهاب، إلى جانب احتفاظ أسعد بمنصبه، إلى الدور البارز الذي ستلعبه الأسرة الحاكمة بشكل عام، وأشقاء السلطان بشكل خاص، في المشهد السياسي المستقبلي في عُمان.
تحديث التشريع
لم يكن السلطان هيثم أبداً بعيداً عن المناخ السياسي والاقتصادي العام في عُمان على مدار العقدين الماضيين. فقد تولى السلطان هيثم مناصب تنفيذية مهمة، كان أبرزها الأمين العام لوزارة الخارجية قبل أن يصبح وزيراً للتراث والثقافة لما يقارب العقدين. كما شغل منصب رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية عُمان 2040، التي يعدها خارطة طريق مهمة توفر إطاراً للحوكمة والتنمية في العقود المقبلة.
يبدو أن الأهداف المرجوة من «عُمان 2040» تتطلب تحديثاً جوهرياً للقوانين والعملية التشريعية، إلى جانب المزيد من الالتزامات الدولية السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الالتزامات بالقوانين الدولية. حيث سبق أن ذكر السلطان هيثم أن “تحقيق أهداف الرؤية 2040 تستند إلى فهم واستيعاب ترابط المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في عُمان مع محركات التغيير العالمية. لذلك، فإن أحد أهداف الرؤية هو العمل نحو الالتزام بالمعايير والاتفاقيات الدولية في هذه المجالات.
وقد شجع الإعلان عن المرسوم السلطاني العديد من الباحثين وأصحاب الشأن فيما يتعلق بانضمام عُمان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. اعتبر البعض هذا المرسوم مؤشراً نحو مزيد من الإصلاحات التشريعية والقانونية في المستقبل. كما رحبت العديد من منظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية بانضمام عُمان إلى هذه الاتفاقيات، وأعدها خطوة نحو مزيد من الالتزام بحقوق الإنسان.
حقوق العمال
وأعقب ذلك خطوة مهمة تتعلق بحقوق العمال، وهي إلغاء المادة 11 من قانون إقامة الأجانب. وقد ألزمت هذه المادة القانونية العمال بالحصول على شهادة عدم ممانعة من صاحب العمل للانتقال من وظيفة إلى أخرى داخل القطاع الخاص، وهو ما تعده العديد من المنظمات الدولية شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر. وأعلن مركز الاتصالات الحكومية التابع لمجلس الوزراء العُماني أن هذه الخطوة جاءت بعد انضمام عُمان للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن إعلان عُمان عن انضمامها إلى هذه المواثيق قد يُنبئ بتعديلات تشريعية على قانون العمل والقوانين الأخرى ذات الصلة.
مجلس الشورى
وفي السياق ذاته، فقد أشار العديد من أعضاء مجلس الشورى أنهم يعتقدون بأنهم لا يلعبون دوراً كبيرًا بما فيه الكفاية في عملية صنع القرار الوطني. إضافة إلى رغبتهم في إجراء تعديلات على اللوائح الداخلية لمجلس الشورى، فهم يرغبون في إجراء تغييرات يمكن أن تؤدي إلى إنشاء محكمة دستورية، تكون بمثابة ملاذ يمكن اللجوء إليه للفصل في النزاعات والتناقضات بين مجلس عُمان ومجلس الوزراء حول تفسير القانون. وقد يستدعي ذلك تعديل القانون الأساسي للدولة، وهو ما نفذه السلطان بخصوص التغييرات في صنع القرار والمشاركة العامة.
إعادة هيكلة الدولة
تعهد السلطان هيثم بمراجعة آليات اتخاذ القرار، وقد أدت هذه المراجعة إلى تقاعد العديد من الأفراد والمستشارين، ودمج الحقائب التي كانوا يشغلونها في الوحدات الحكومية القائمة. بالإضافة إلى ذلك، أنشأ السلطان المكتب الخاص، الذي يتبع للسلطان مباشرة. وهو المسؤول عن إعداد برنامج عمل السلطان اليومي، وهو حلقة الوصل الرئيسة بين مجلس الوزراء والوزارات الحكومية المختلفة. وإلى جانب ذلك، يتولى المكتب الخاص دور توثيق القضايا المعروضة على السلطان، أو تلك التي يأمر بنشر المعلومات عنها، وخاصة برامج التوظيف المنبثقة عن رؤية عُمان 2040.
كما أصدر السلطان هيثم أمراً إلى جميع المؤسسات الحكومية بالتقاعد القسري لأكثر من 70 في المائة من الموظفين الحكوميين، الذين أكملوا 30 عاماً من الخدمة. ولم تستثنِ من ذلك الشركات المملوكة للدولة، ولكنها خضعت لشروط مختلفة. وتم تكليف جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بالإشراف على تنفيذ هذه التوجيهات، لضمان أن كل من يتولى منصباً في المستقبل سيكون قادراً على تحقيق اهداف الدولة حيث إن بعض من كانوا يشغلون المناصب القيادية في الدولة سابقاً كانوا يتمتعون بمزايا واسعة، وكانت لديهم مسؤوليات غير واضحة وأحياناً غير موجودة.
فرص عمل إضافية
تمثل تلك التحركات وسيلة لتوفير فرص عمل إضافية بسرعة للشباب الباحثين عن عمل، حيث تعد البطالة أحد التحديات الرئيسة التي واجهتها عُمان على مدى العقدين الماضيين. وفقًا للإحصاءات الرسمية، في عام 2018، كان أكثر من 50.000 شخص يبحثون عن عمل في عُمان، 63 في المائة منهم يحملون شهادات جامعية، وذلك وفقًا للإحصاءات المنشورة في عدد من المواقع الإلكترونية.
دمج صناديق الثروة السيادية
يُنظر إلى قرار دمج صناديق الثروة السيادية للبلاد (صندوق الاحتياطي العام للدولة وصندوق الاستثمار العُماني)، إضافة إلى نقل ملكية معظم الشركات المملوكة للدولة إلى جهاز الاستثمار العُماني على أنها خطوات نحو مركزية سياسة الاستثمار، وضوابط أفضل في الحوكمة، وإعادة العمل بمبدأ تقييم الأداء، التي كان مغيباً منذ عدة سنوات، وخاصة في المؤسسات المملوكة للدولة. زد على ذلك، أنه قد يتم دمج صناديق التقاعد في القريب العاجل- يوجد حاليًّا أكثر من 11 صندوقاً.
وظائف للمواطنين
أكد سلطان عمان أن ملف تشغيل المواطنين الباحثين عن عمل، يعد أولوية وطنية قصوى ويأتي في أعلى سلم أولويات عمل الحكومة، وضرورة بذل المزيد من الجهود لمساعدة الباحثين عن عمل من أجل الحصول على عمل أو مهنة مناسبة في مختلف القطاعات.
وأشار إلى حزمة المبادرات التي تم الإعلان عنها لتوفير فرص عمل عبر إطلاق البرنامج الوطني للتشغيل الذي يعد من أهم البرامج الوطنية المنبثقة عن «رؤية عمان 2040»، ويحظى بمتابعة مستمرة.
وسيعمل هذا البرنامج على إيجاد حلول مستدامة لتوفير وظائف في كافة قطاعات الدولة وشركات القطاع الخاص كما سيعمل على تحليل البيانات الخاصة بالباحثين عن عمل حتى دخولهم إلى سوق العمل.
وسيعنى البرنامج أيضًا بإيجاد الحلول التي تعمل على سد الفجوة المعرفية والمهارية التي يتطلبها سوق العمل لضمان جاهزية الباحثين عن عمل للتوظيف الفوري وفق خطة تنفيذية وبرنامج زمني مقرون بمؤشرات قياس أداء يتم رصدها ومتابعتها بصورة مستمرة لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
إحلال العمانيين
كما وجه السلطان هيثم بن طارق وزارة الدفاع والمؤسسات الحكومية الأخرى بتوفير 32 ألف فرصة عمل للعُمانيين خلال 2021. حيث استقبلت وزارة الدفاع طلبات الباحثين عن عمل ممن تنطبق عليهم شروط التجنيد، وتعهدت الوزارة بنشر إعلانات للانضمام إلى الجيش وسلاح الجو والبحرية، وكذلك الإدارات الأخرى.
وكانت الحكومة قد أمرت قطاعات الدولة في أبريل 2020 بتسريع عملية استبدال الموظفين الأجانب بمواطنين عُمانيين، وخصوصاً في المناصب العليا، لتأمين مزيد من فرص العمل للمواطنين. كما أمهلت وزارة المالية القطاع العام حتى يوليو لوضع جداول زمنية لتعيين العُمانيين، بما في ذلك في المناصب الإدارية.
وضع مستقر
تتمتع سلطنة عمان بوضع سياسي واقتصادي مستقر، وتحتل المرتبة 23 في احتياطي النفط على مستوى العالم والمرتبة 27 في احتياطي الغاز، وقد اتخذت السلطنة خطوات ملموسة في سبيل تنويع مصادر دخلها القومي وتقليل الاعتماد على النفط.
ميزة تنافسية
ويوفر موقع سلطنة عمان الاستراتيجي واستقرارها السياسي والأمني، ميزة تنافسية لجذب للاستثمارات الأجنبية في البلاد، وقد سعت السلطنة إلى استغلال هذه الميزة من خلال تأسيس عدد من المناطق الاقتصادية والموانئ، والتركيز على قطاعات واعدة، أبرزها قطاع السياحة وقطاع الخدمات اللوجستية.
الشعب العماني
ويعد الشعب العماني شعباً مضيافاً ومنفتحاً على الآخرين، كما تمتاز السلطنة بوجود مناطق طبيعية فريدة، ما يجعلها مقصداً سياحياً للأسر السعودية والخليجية التي تتشارك مع الشعب العماني في الدين واللغة وتقارب العادات والتقاليد الاجتماعية.