الهادي التليلي
المسافة بين القول والفعل طالت أو قصرت تبقى دائماً مؤشر أداء فعلي لمصداقية صاحب الخطاب، فالكلام سواء كان ذلك شعارات أو وعودًا انتخابية أو حتى تعبيرًا إنشائيًا عن التعاطف إذا لم يوجد ما يبرره يبقى في دائرة الكلام الأجوف الذي لا طائل من ورائه سوى الكلام في حد ذاته أي الكلام كشكل وكمضمون في نفس الوقت وتحول الرسالة إلى شكلها وكسائها اللغوي وإن كانت في الجماليات مسألة ذات أبعاد مبحوث عنها وتستجيب لذائقة ترى في الجمال ليس الموضوع الجميل بقدر ما هو الشكل الجميل فالقصيدة الشعرية حسب هذه الخلفية تكمن جماليتها لا في مقول قول الشاعر من معنى ودلالة وإنما ما تحمله العبارة في تشكلاتها من صور شعرية فاتنة ونفس الشيء بالنسبة للفنون التشكيلية التي تحملك عديد مذاهبها المعاصرة وحتى الموغلة في القدم إلى القول بأن قيمتها ليست في مدى مطابقتها للواقع بقدر هروبها منه وحتى السينما ترى في الفنتازيا إبداعاً وفي الخيال العلمي واقعاً جمالياً ومتوقعاً وحتى المسرح الذي صار يميل إلى الفتنة البصرية أكثر من الفودفيل.
إلا أنه في مجالات السياسة والبرامج وغيرها من الأمور المرتبطة بجدول زمني في الأداء وبمقدار معين من الإنجاز في هذا الزمن ووفاء منهجياً لخطة إستراتيجية أو برنامج عمل يقيم من خلاله الأداء ويقاس المتكلم بمدى تطبيقه وإنجازه لوعوده وأقواله فمدار العالم البراغماتي المعاصر يكمم الفعل قياساً بالوعد ويحاسب على مدى التقصير في الإنجاز ويطالب بتوضيح أسباب التعثر فلا شيء للصدفة ولا مجال للتعلل بغير الحجج والبراهين تلك حكمة الإدارة المعاصرة التي ترى في الفعل المكمم مسألة جوهرية في التقييم فقل لي ماذا أنجزت أقول لك من تكون إذا ما اقتبسنا من الحكمة الشهيرة قالبها العمل وتحقيق الوعود هو بمثابة العقد الاجتماعي عقد يعبر عنه في مجال إدارة الأعمال بعقد وفق مشاريع الإنجازوتقتضي العلاقة التعاقدية طرح برنامج يكون الإيمان به من طرف المتقبل وإنجازه من طرف الباث مسألة مصيرية في تقييم الأداء وتكميم مدى قدرة المتكلم وجدواه ففي حيز السياسة والمجتمع الجميع يجيدون الكلام وفنونه الذي يكون حيناً مقنعاً وله أسس منطقية ينبني عليها وحيناً آخر يكون خطاباً سفسطائياً غايته إفحام الآخر وإسكاته إبرازاً للأنا لا للحقيقة ولعل الذي يميز السياسي الناجح عن غيره لا فقط قدرته على الكلام وإنما القدرة على ترجمة الوعود إلى منجزات وثمار المشهد اللبناني يقطر دلالة عما نقول إنه فعلاً الترجمة الحقيقية لواقع فنطازي مؤلم شعارات وهتافات والجميع يمتلكون الحلول السحرية ساعة كلامهم بل والجميع ينتقدون الوضع السائد بمن فيهم الأسباب الحقيقية لهذا الواقع بل حتى السلطة المتحملة رسميًا وقانونيًا مأساة الواقع اللبناني فلبنان البلد الجميل الذي يحبه الجميع أصبح عبرة تخنق عبارة كل من يتناول الحديث عنه والسبب هو قنطار الكلام وما لا يحصى من أحزاب وحركات وجمعيات وغيرها والجميع يتقنون فنون الكلام واللغو ولكن في اختبار الإنجاز لم ينجح أحد قد تكون للأطراف الأجنبية المتدخلة أسباب وأسباب ولكن من أدخل الأجنبي في القرار السيادي الوطني هم أبناء البلد، فإيران حضورها بجلباب لبناني وتحديدًا جماعة حزب الله وفرنسا من خلال أبناء لبنان لأنه لو كان أبناء البلد صخرة صماء وصادقين في وعودهم فلن يكون للآخر مكان ووقف كل طرف خارجي عند خط البداية ولكن الكلام كثير والفعل قليل ولتغطية العجز يستنجد بالآخر والآخر يجد لنفسه مكاناً من خلال ما يقدمه وفي الحقيقة أخطر منعدم القدرة على الفعل هو فساد الساسة المالي فبلد مقدراته محدودة ينهب من قبل الموكول إليهم قيادته مسألة قد تعصف لا بمصير الطبقة السياسية فقط وإنما بالبلد إلى المجهول.