فدوى بنت سعد البواردي
حين أفكر في التبرع بالأعضاء، دائماً أتساءل كيف سيكون عليه العالم لو استطاع العلماء التوصل مستقبلاً إلى تطور علمي يمكنهم من جمع الأفكار والخبرات من أدمغة كبار السن والعلماء والعباقرة من البشر، للتبرع بها للآخرين، تماماً كما يفعله ناقل البيانات أو ما يُعرف بـusb من خلال أجهزة الحاسب. وأتساءل كذلك كيف سيكون العالم إذا أمكن عمل كشف إلكتروني لتلك الأفكار وفرزها واختيار الأكثر علماً وحكمة وفائدة منها، ثم عرضها على أجهزة وشاشات تُظهر تلك الأفكار كنصوص وملفات تسهل قراءتها ودراستها من قبل الأجيال الجديدة، أو حتى اعادة تحميلها لأدمغة أشخاص آخرين للاستفادة منها..؟
أعتقد أنه إذا كان تنفيذ تلك الأفكار الخيالية ممكناً يوماً ما في المستقبل، فسوف تتغير الكثير من نواحي الحياة للأفضل، طالما كان يتم ذلك التنفيذ بشكل صحيح وأخلاقي وممنهج.
ولنعود للواقع... يكتب الكثير من العلماء عن تجاربهم وخبراتهم وعلمهم، ونجد الكثير من المراجع التي تحتوي على ما اختصروه لنا من العلوم والدروس العلمية. ولكن، ماذا عن العلماء الذين لم يتسن لهم الوقت لمشاركتها.. وماذا أيضا عن كبار السن الذين يملكون الخبرات الثقافية والاجتماعية الهائلة في الحياة، ولم يكتبوا عنها يوما كذلك..؟ أعتقد انها ثروات ضائعة، خاصة وان الأجيال الجديدة قد يقومون بتكرار نفس الأخطاء وغالباً قضاء وقت طويل في التعلم حتى الوصول إلى ما وصل إليه هؤلاء، الذين من قبلهم، من حكمة وخبرات.
ولقد بحثت في العديد من المراجع عن الدروس الحياتية الاجتماعية والثقافية التي تعلمها البعض... ولاحظت أن تلك الدروس تحتوي على توصيات مشتركة ومتماثلة بين الكثير من الأشخاص، وذلك بعد سنوات طويلة من الخبرات المكتسبة خلال المواقف الكثيرة التي مروا بها. وسوف أستعرض في هذه المقالة أكثر الدروس الثقافية والاجتماعية والتي وجدت لها قدراً من الأهمية في الحياة.
ومن أهم التوصيات الاجتماعية هو أن نُحسن من جودة حياتنا من خلال بناء وتطوير شخصيتنا، وأن نتعرف كذلك على أشياء وموضوعات جديدة تخرجنا من مناطق راحتنا، بشكل دوري، لكي نوسع من آفاقنا وعلمنا ونزيد من مهاراتنا، وألا نخاف من موجات التغيير فقد يجلب لنا الأفضل. وكذلك، يجب أن لا نغير مبادئنا أو اختياراتنا أو قناعاتنا، وأن نكون واثقين من أحقيتنا في تقييم الأشياء من حولنا وفق نظرتنا، وليس كما ينظر الآخرون. ويجب أن نبحث عن التميز والابداع والابتكار وليس التبعية أو التقليد، كما يجب أن نتوجه في معاملاتنا بالخير وأن لا نضر أحداً. وكما أن العمل ركن هام في الحياة، إلا أنه ليس بمقدار أهمية العائلة. وإذا كنا نعمل، فلابد من أن نعمل بشغف وذكاء، وأن نحب ما نعمله لكي نصل للنجاح. وأن لا نترك ممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي حفاظاً على لياقتنا الجسدية والعقلية.
أما التوصيات الثقافية، فهي السفر ومعرفة عادات الدول ولغاتهم واكتساب المعرفة من خلال زيارة معالم الدول السياحية والتراثية والثقافية، ورفع الوعي ومهارة التواصل الاجتماعي من خلال الاختلاط مع الثقافات الأخرى، والتأمل في الحياة والطبيعة. وكذلك من الضروري أيضاً توسيع المدارك عن طريق القراءة في المواضيع الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية المختلفة. وكما قيل، فإن الفارق بين المثقف والمتخصص هو ان المثقف هو ذلك الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن كل شيء، بينما المتخصص هو من يعرف كل شيء عن شيء واحد، فيجب أن نكون الاثنين معاً والا نتوقف عن التعلم مهما بلغنا من العلم.
وإلى أن نصل يوما ما إلى تحقيق الإنجازات العلمية التي يراها الكثيرون الآن خيالاً، فلنحاول أن نفكر ونبدع بالأفكار، ولا ننسى أن كثيراً من الاختراعات الحالية كانت مجرد أفكار لا تُصدق حتى تم تنفيذها بإصرار مبدعيها.
** **
- خبيرة تقنية وتحليل إستراتيجي