د.جيرار ديب
اعتبر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان في مقابلة على شبكة «فوكس نيوز»، أن الصين ستتعرض لعزلة دولية، في حال لم تتح للخبراء الدوليين دراسة ظروف نشأة فيروس كورونا.
قال ساليفان إن «العمل التحضيري الدبلوماسي حشد دول العالم، والضغط السياسي والدبلوماسي على الصين، هذا هو الجزء الرئيسي من الجهود التي نبذلها لتقديم خيار صعب للصين في نهاية المطاف، أو أن يتصرفوا بمسؤولية وبالتالي يسمحون للمحققين».
كان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد افتتح عام 2013، طريق الحرير الجديدة التي قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
لم تكتف الصين بطريق الحرير الاقتصادي، بل عرضت مع روسيا في المؤتمر الدولي لاستكشاف الفضاء GLEX-2021 الذي عقد في مدينة بطرسبورغ، خارطة طريق لإنشاء محطة علمية دولية على القمر.
هذا وذكرت مصادر مطلعة في مجال الصناعات الفضائية الصينية أن الصين تعمل على تطوير جيل جديد من صواريخ الفضاء.
طريق الحرير الصينية باتت تؤرق طريق الجينز الأميركي، ليس فقط بحدودها الجغرافية ولكن برؤيتها التوسيعية، حيث كشّر التنين الصيني عن أنيابه، مظهرًا نيّته بقلب النظام العالمي وجعله نظامًا متعدد الأطراف والقوى. هذا النظام الذي استطاعت ثقافة الجينز الأميركي التأثير فيه، وجعله متأمركًا بعد انهيار نظام القطبية الثنائية عام 1990 مع سقوط الاتحاد السوفياتي.
تشهد الساحة الدولية تحولات خطيرة تنذر بأن الخطر قادم؛ فسباق التسلح، المترافق مع نبرة عالية من التهديدات والتصعيد في الخطابات بين القيادات تصبّ جميعها في مصلحة القتال والحرب. منذ توليه منصب رئاسة الولايات المتحدة، والرئيس جو بايدن، يعتبر أن العدو تعدى الأمن الأميركي القريب، حيث بلغ الدين العام الحكومي الأميركي 100 في المائة لا سيما بعد جائحة كورونا، إذ تشكل فيه الصين من المديونية 4.5 في المائة أي ما يعادل 1.1 تريليون دولار أميركي، فماذا لو أقدمت الحكومة الصينية على إغراق السوق الأميركية بسندات الخزينة؟ طبعًا سنكون أمام أزمة داخل الأسواق المالية الأميركية.
شهدت الحرب التجارية بين البلدين تطورات عدة على مدار السنوات الأربع لحكم دونالد ترامب، إذ لوحت بكين بشكل غير رسمي أنها مستعدة لإبطاء وتيرة مشترياتها من سندات الخزانة الأميركية.
هذه الحرب لن تستكين بين البلدين؛ فخ ثيوثيديدس يحكم العلاقات بين القوة الصينية الصاعدة والقوة الأميركية المتمركزة، والتي باتت تشعر بالخطر الداهم لإزاحتها عن عرش العالم.
بالمقابل، تشعر الولايات المتحدة بتهديد القومية البعيد حيث امتداد النفوذ الصيني في بناء طريق الحرير سيقضي على طريق الجينز، لاسيما في الشرق الأوسط، بعد إبرام الاتفاق بين الصين وإيران الذي يثبت النفوذ الصيني في المنطقة.
كما أن التوسع الصيني في شرق آسيا وأفريقيا، دليل واضح على محاولة الصين السيطرة على مفاصيل التجارة العالمية عبر بناء موانئ عسكرية لها تحت غطاء تجاري لكبح جماح الأمريكي.
طبعًا، لن تتوقف الصين عن تنفيذ مشروعها طريق الحرير القديم- الحديث، وربما قد تسعى في السنوات المقبلة لإيصال الطريق إلى أميركا اللاتينية في محاولة للتطويق المستمر على نفوذ أميركا. فهذا ما يحصل في القطب الشمالي، حيث المنافسة واضحة بين الروسي والصيني من جهة، والأميركي من جهة ثانية. هذا التطويق الصيني دفع بالرئيس بايدن، لإعادة ربط التواصل الذي قطعته إدارة ترامب السابقة مع حلفاء الأمس لاسيما الاتحاد الأوروبي. لهذا نرى الأميركي في تقارب مستمر مع أوروبا، التي أصدرت بياناً لها، تندد بالخطر الصيني على أمنها.
الصراع بين الطريقين يتمدد ويأخذ أشكالاً مختلفة، فهو اليوم في مرحلة عض الأصابع، حيث التموضع سيد الموقف. وقد يكون الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان يمهّد لنشر الفوضى في آسيا الوسطى، بعدما باشرت حركة طالبان المتطرفة السيطرة على بعض مناطق الجنوب الأفغاني، الأمر الذي قد يجر الروسي والصيني لحرب مع التطرف.
أخيراً، قد يقدم طريق الجينز على التهور في اعتماد «نظرية المجنون» لإقصاء طريق الحرير عن التقدم. فهذه النظرية تبنّتها الولايات المتحدة، وكان قد طرحها الرئيس ريتشارد نيكسون وجددتها دراسة نشرتها وكالة «أسوشيتد برس» في عام 1995، وتقول هذه النظرية: «ينبغي لأعداء الولايات المتحدة أن يفهموا أنهم بمواجهة مختلين لا يمكن التكهن بتصرفاتهم». فهل يكون بايدن اليوم، نيكسون الأمس، ويقدم على تطبيق نظرية المجنون بحق الصين؟