عثمان بن حمد أباالخيل
مهما اختلفت اللغات واللهجات وألوان البشر وأماكن سكنهم على وجه الكرة الأرضية تجمعهم غصة وغصص وأوجاع وحزن وألم، لكنها تختلف في قوتها وتأثيرها ومدى بقائها ومن هو أو هي مصدرها وردة الفعل.
الغصة تأخذ ألواناً وأشكالاً ويبقى الإحساس بقلوب البشر متشابهاً. أقتبس: (زرعت أوجاعي في حقل من التجلد فتحولت أفراحًا) جبران خليل جبران. حرقة الغصة مؤلمة وجارحة حين يرحل عنك وعنكِ مسببها الذي لا يعي حجم تلك الغصة التي تركت إنساناً لا يتلذذ طعم الحياة وتبقى الغصة زمناً طويلاً راسخاً محفوراً في الذاكرة. ليس لدي أدنى شك أن كل إنسان لديه غصة حزن في داخله وإن بدا قمراً جميلاً في سماء صافية، فالقمر يغيب هنا ويظهر هناك فكن شمساً لا تغيب أبداً وتخلص من الغصة أو الغصص التي تؤلمك.
تنتابني غصةٌ جارحة لا تشبه بقية الغصص حين رحلت أمي، وتنتابني غصة مؤلمة حين رحيل أبي، وتبقى تلك الغصة في قلبي رغم مرور سنوات على رحيله. سيل من الغصص يمر بها الإنسان وإن تنوعت معنى غصة لكنني أعني هنا الألم والحزن. رحيل بلا وداع غصة، طلاق ظالم غصة، فراق بلا سبب غصة، تجريح غصة، تأنيب بلا سبب غصة، تقزيم إنسان غصة، الاستخفاف بالآخر غصة، العنصرية غصة. ترى هل يستطيع الإنسان أن يتجاوز الغصة التي يمر بها أم يبقى أثرها طيلة حياته، أم أنها تتحول إلى مرض الغصة وهو الشعور بالفراغ العاطفي أو البعد الإنساني، وعدم الشعور بأي شيء إيجابي. أجل هناك من يتحمل تبعيات الغصة ويستبدل ذلك بالكثير من الابتهاج وإقفال كل الطرق التي تؤدي إلى ذكرى الغصة.
أحقاً الغصة جزء من حياتنا وتعاملنا مع الآخرين؟ أحقاً هناك من يغُص الآخر عمداً؟ الإجابة -وأعتقد الكثير يوافقني- نعم هي كذلك. لماذا نتسبب في غصات الآخرين؟ أليس الآخرون جزء من الكل؟ الكل يجب أن يعيش دون غصص. كم هي الحياة جميلة دون غصص من أراد أن يرحل فليرحل دون أن يترك وراءه غصة، من أراد أن يغُص الآخر تمهل واسأل نفسك لماذا أحمل الآخر ألم الغصة.
إنها دعوة لأولئك الذين لم يتذوقوا مرارة الغصة، حماكم الله من ألم الغصة فاحموا الآخرين من تبعات الغصة ومرارتها.
من أقوالي:
(عمر الإنسان قصير فلماذا لا نزرع الورد بدلاً من الغصة).
الحياة ليست قاسية، بل البشر هم من جعلوها قاسية حين يزرعون الغصة تلو الغصة في حياة الآخرين.
أيها البشر لا ترهقوا القلوب بالغصات ولا تحطموا العقول بالأفكار الواهية، إنها الحياة الجميلة لكل البشر. تُنبت الأحزان في براري الغصة، لا شيء يحيي الأرض ويعيد بهجتها كالأمطار، قال تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}، عندها تتحوّل الصحراء الشهباء إلى جنّة خضراء، ببساطها العشبي النضير، وفوقه أنواع النبات البري والزهور والخزامى بلون زهرها البنفسجي وأوراقها الصغيرة الخضراء هذه هي الحياة بدون غصات.