في ليلة الخميس الرابع عشر من شهر ذي القعدة لم تكن ليلة البدر بإبدارها كما عهدتها حينما بلغني نبأ وفاة الرجل الشهم والأخ الوفي والوالد الناصح أبي بندر (سلمان البداح) أحقاً ما يقال؟
نعم فقد استكملت هذه النفس رزقها وأجلها والحمد لله على ما قضى وقدر ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
لم يكن أبا بندر رجلاً من عامة الرجال؛ بل من خلصهم.
فقد كان بحقٍ نعم الأخ الناصح ونعم الأب الرحيم ونعم المربي الوفي ونعم الجار الكريم..
فقد جاورته ما يزيد على خمس عشرة سنة مرت بحلوها كلمح البصر، فلم أسمع منه ما يعطر الصفو أو يكدر الفؤاد.. بل ما قابلته إلا ويفتح الآفاق بالتفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، ترى في وجهه السماحة، وفي حديثه الود والمؤانسة.
كان خلوقاً محبوباً من جيرانه وخلانه، لا يمله جليسه؛ حسن السيرة طيب السريرة.
ولعلي أذكر -على قضب- أبرز ما تميز به فقيدنا الغالي مما اطلعت عليه:
* النصح: فقد كان ناصحاً أميناً، فقد عهدته مراتٍ كثيرة في مواقف عدة يسدي النصح فيما يرى على غيره مما يكره؛ وما ذاك إلا لمحبته لغيره ما يحب لنفسه.
* الكرم: فقد كان كريماً بماله، كريماً بأخلاقه، كريماً بجاهه، محباً للخير وفعل الخير والدلالة عليه، فلا أحصي كثرة حرصه على نفع الناس والقيام بمصالحهم والسعي المباشر في قضائها.
* حسن الجوار: كان نعم الجار لجيرانه؛ يتفقدهم ويسأل عنهم، يفرح لفرحهم وترى مشاعر الفرح بادية على وجهه المبارك، كما يواسيهم في أحزانهم ومصائبهم. وكان حريصاً على اجتماع الجيران الشهري ومناسبات الأعياد. بل إنّ بابه مفتوح مغرب كل يومٍ يستقبل فيه محبيه وجيرانه بسعادة قلب ووجه طلقٍ. ومجلسه لا يمل؛ عامرٌ بالأنس والمسامرة النافعة، قلما جلست معه إلا وأخرج بعدد من الفوائد والعبر وذكر شيءٍ من مآثر الكبار والثناء عليهم.
* التواضع: رأيت فيه التواضع بلا تكلف، بل يستصغر نفسه أمام الآخرين بله مع منهم في أسنان أصغر أبنائه، وما ذاك إلى خلق تخلق به لا يتصنعه. ورأيت فيه تقديره للآخرين، وإنزال الناس منازلهم. ولعل هذا من أسرار محبة الناس له رحمه الله تعالى.
وأخيراً كما قيل (ما مات من خلف)
ففقيدنا حيٌ بمآثره، حيٌ بأبنائه الأوفياء البررة، فلنعم الأبناء أبناؤه ؛ خلقاً وأمانة وإخلاصاً لدينهم ووطنهم. أسأل الله تعالى أن يجعلهم خير خلف لخير سلف.
بل من نعم الله التي نشكره عليها مذ عقلناها هي معرفة فقيدنا وأبنائه وحسن جوارهم.
وأنا أسطر هذه الأحرف في اليوم السادس من وفاته -رحمه الله- لا يزال خياله لا يفارقني لحظة.. وما ذاك إلا لصفاء قلب ومنزلة أنزلها الله في قلوب عباده لا يعرفها إلا من عرفه وجالسه.
وكثيراً ما كان يذكره والدي -رحمهما الله تعالى- بخير، فقد كان يجله ويقدره ويأنس بالقرب منه، وكان بينهم من الإلف والاجتماع الشي الكثير، وكان رأيه مقدماً عند والدي عليهما رحمة الله.
حقيقة مهما سطرت فلن أفي هذه القامة حقها؛ إنما هي خواطر كتبتها ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
أسأل الله الكريم أن يعلي شأنه ويرفع مكانه وينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وأن يجمعني به ووالدي ووالديهم وذرياتهم ومحبيه بصحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم ارفع ذكره في العالمين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين ووسع له في قبره ونور له فيه.
** **
أحمد بن عبدالكريم المطوع - الزلفي