منال الحصيني
الحياة تمشي ضمن سنة كونية متسلسلة لا تدركها العقول البسيطة، لذلك الفذ من طبق قوانينها وفق ما جُبلت به، وبموجبه أدرك أصحاب العقول النيرة تلك المعادلة بين المحسوس والمجرد، وفقهوا أن كل موجود محسوس، وأن كل مجرد يدل على معنى ذلك المحسوس كما تكونت عبر التجربة الإنسانية.
فالتدرج من المحسوس إلى المجرد أمر يبعث في النفس البشرية شيئاً من الميول لتلك الفطرة النقية التي جبل عليها البشر سواسياً.
فالإنسان يبدأ حياته كالبيت الذي لديه نوافذ تطلعه على ما يحدث في الخارج وتسمى تلك النوافذ بالحواس الخمس التي يكتشف من خلالها المعرفة للمحسوسات، لذلك هي تنقل لنا صورة في الذهن عن تلك الأشياء، وبذلك ندرك المجردات أي المعاني العامة أو الأمور المعنوية غير المادية، فلو شاهدنا أُماً تحضن صغيرها سنستنتج معنى مجرد وهو الحنان.
وعلى سبيل المثال أيضاً لو كانت هناك لوحة فنية لإمرأة تحمل طائراً بين يديها، البعض سيفسرها بالمعنى الحرفي، أما أصحاب التفكير المجرد سيرون فيها مجموعة من المشاعر، فالمرأة تحمل الطائر بين يديها وتحلم بالحرية. فاللوحة واحدة والاختلاف في النظرة.
ماذا لو أصبحنا أشخاصاً نعادل بين المحسوس والمجرد ببصيرة واعية ناضجة كي تسود المبادئ السامية ونرتقي بمجتمعنا؟ ماذا لو نظرنا إلى كل محسوس بعين ثاقبة لنحوله إلى معنى مجرد يقودنا للرقي الفكري والأخلاقي؟.
فالإدراك للمجردات هذه الخالق تفردنا بها لكي تمكننا من إدراك معاني سامية كالعدل والجمال والخير والارتقاء، وتطبيع النفس على تلك المعاني هو المقصد الحقيقي لارتقائها، ولكن في ظل عالمنا الآن الذي أغرقته الماديات جعلت الناس دمى تنكر جانبها المعنوي وتغرقهم في ملذات الحياة دون غاية حقيقية واضحة، فالأشياء المادية مهمة لسد الحاجات لكن تظل وسيلة يكتفى بها لسدها.
فلنسعى لما هو أرقى... تطبيع النفس على تلك المعاني التي تزيد كمالها.