عبدالوهاب الفايز
القاعدة التي ربما لا نختلف عليها هي: ليس كل ما يتمنى المواطن يدركه.. ولكن حين يكون همنا (السلامة والأمن في الطريق)، حينئذ تكون السلامة المرورية الأمر الضروري الذي نجمع عليه و(نحلم) به وعندئذ تكون الحالة هي: كل ما تتمنى الناس يجب أن نحققه.
في تصوري أولويات السلامة المرورية ترتفع الآن بعد إطلاق مشروع النقل الجديد وتعديل مسمى وزارة النقل، فالقطاع الوليد سيكون حافلاً بالكثير من المبادرات والمشاريع مما يجعل أولويات السلامة المرورية تصبح حاجة ملحة لكي نضمن سلامة منظومة النقل، فلدينا انكشاف خطير في هذا الملف حيث ظلت مشاكله تتراكم، ولعل الانطلاقة الجديدة لهذا القطاع تضع في أولوياته أهمية السلامة بشكل عام.
في مقال الأسبوع الماضي قلنا إن (السرعة والعنف في القيادة) هي الأمر المقلق الذي يجعل تجربة القيادة حالة مخيفة مرعبة. والسيطرة على هذه الحالة المخيفة ضروري مهما كانت العوائق والتحديات، لأنه يحقق مكتسبات سريعة، ويساعد في بناء الاتجاهات النفسية الإيجابية للقيادة.
والسؤال الذي قد يطرحه البعض هو: لماذا السرعة، وماهي الأدلة الموضوعية على أنها مشكلة؟ الأسبوع الماضي وجدنا أن السرعة الزائدة تتصدر قائمة المخالفات المرورية الخطيرة. وهذا يعود إلى الاعتقاد لدى أغلبنا أن السرعة محددة فقط في الطرق السريعة. أما في طرق الخدمة، أو داخل الأحياء السكنية، أو قرب المدارس والمستشفيات.. فأغلبنا يعتقد أن السرعات مفتوحة! جرب تسأل الناس عن هذا الأمر! مثل علامات الوقوف الإجباري داخل الأحياء، كثيرون تعرضوا للصدم من الخلف والتوبيخ العنيف، لماذا؟ لأنه وقف استجابة للنظام!
والصدمات من الخلف كانت أول (صدمات الوعي المروري) لدى المرأة عندما دخلت تجربة القيادة. اكتشفت أن ما تعلمته في المدرسة عن أماكن الوقوف الإجباري يخالف الواقع. مفارقة عجيبة! لذا، محاربة مخاطر السرعة المتهورة له انعكاساته المباشرة على (سلامة المرأة) التي دخلت تجربة القيادة حديثاً، ونحن نخشى أن تكتسب عادة السرعة والعنف في القيادة.
أحد المكتسبات العاجلة للسيطرة على السرعة يساعدنا في تجاوز مشاكل (تصاميم الطرق) وغياب الاعتبارات الهندسية الضرورية، فلدينا نقص كبير في تطبيق متطلبات هندسة المرور والنقل. فهذا التخصص الدقيق أهملته جامعاتنا ولم تهتم به إلاَّ متاخراً، وهذا أدى إلى دخول عنصر الطريق ليكون أحد المسببات الرئيسية للحوادث. غياب الاهتمام بمتطلبات هندسة المرور واضح ونراه في شوارعنا، فبعد الانتهاء من الجسور أو الإنفاق تتضح العيوب ثم تعود التعديلات لإصلاح الأخطاء الفنية.. والغريب أن هذه الأخطاء يتم تكرارها في مواقع أخرى!
أيضاً السيطرة على السرعة سوف يساعدنا في تقليل مخاطر الخلل في مهارات القيادة خصوصاً بعد توسع المدن وتعدد عناصر النشاط فيها، ووجود مئات الآلاف من السائقين القادمين من دول تتساهل في فوضى القيادة. وأخطر مظاهر هذا الخلل في مهارات القيادة تراه في كيفية الدخول والخروج من الطرق السريعة.
أيضاً من المكتسبات الضرورية للسيطرة على السرعة نجده في (توزيع الحركة)، فكبح السرعة يقلل من إهدار الطاقة الاستيعابية للطرق وبالتالي تقليل الاختناقات التي نراها. مثلاً، الزحمة التي يشتكي منها الناس في (الكبري المعلق) الشهير في العاصمة تعود للسرعة الكبيرة، فالسرعة تجعل السيارات تتجمع بسرعة وتوجد (عنق زجاجة) للحركة المرورية. هذا المثال يتكرر في معظم الطرق الجديدة التي أنفقنا مليارات الريالات لإنشائها وتوسيعها، وعدم السيطرة على السرعة يهدر هذه المكتسبات! مثل تحلية المياه التي يضيع ربعها في شبكات النقل.. إنه فن الهدر!
في الشق الإنساني والاجتماعي، السيطرة على السرعة يؤدي إلى تقليل (الحوادث المرورية المميتة)، وهذا هو الهدف الأسمى الذي نتمنى ونحلم بتحقيقه. وفي الجانب الاقتصادي السيطرة على السرعة يؤدي إلى (خفض استهلاك البنزين) وهذا له انعكاساته على مواردنا المالية الشخصية وله أثره على الاقتصاد الوطني. وحتى إلى التقليل من تسجيل المخالفات على السرعة وهذا يخفف الأعباء المالية.
أيضاً السيطرة على السرعة يساعد على تقليل المخاطر الناشئة عن ضعف (إدارة الطريق). طبعاً المسؤول المباشر عن هذه هو الإدارة العامة للمرور. كلنا نعلم أن إمكانات المرور المادية والبشرية أقل بكثير من احتياجات السلامة المرورية الحالية، وهذا النقص لا يمكن تعويضه بسهولة وبسرعة.
ثمة مكتسبات عديدة للسيطرة على السرعة المخيفة، وتتحقق عبر تبني مشروع كبير لاستثمار التطورات التقنية والبرمجيات وتطبيقات الذكاء الصناعي ورفع المتطلبات التقنية في المركبات مثل إدخال الكميرات بشكل إجباري في جميع السيارات. قد يكون هذا هو الحل السريع الأسهل والممكن التطبيق مقارنة بالمشاكل الأساسية التي أشرنا لها والتي يصعب معالجتها بشكل سريع، بالذات معالجة مشاكل تخطيط الأحياء السكنية التي أعطت الأولوية للنشاط التجاري وللمركبة على حساب الجوانب الإنسانية والاجتماعية. هل يكون السيطرة على السرعة مثل (حلم الرمال الهاجعات على الضماء)، كما يقول عمر أبو ريشه! ولكنه ضروري.