ليالي السبيعي
كل ما تبقى في ذاكرتي حفنة كذب، استقرت بقعر الذاكرة التي لا تنام..
كثيراً ما كنت أستشعر كذب مشاعر الأشخاص من صدقها..
لا يهمني كل ذلك، فصدقك معي لا يعني أنك وصلت مرحلة السمو.. وكذبك لا يعني إسقاطك من دائرة أيامي
يهمني جداً اثرك في نفسي... وأثري عليك
كثيراً ما نراعي الظروف المحيطة والتقلبات المزاجية والروحية للأشخاص..
كثيراً ما كنت اتروى في الحكم حتى لو استهلك من وقتي وروحي الكثير،
لستُ من الاشخاص المفرطين في الأحكام وإصدار القرارات بسرعة..
هي حياة واحدة وعمر واحد، كثيراً ما اتمنى ان اعيش كما أريد برغم قسوة الظروف والأيام أحيانا.. لكن هناك قوة داخلية تمنع تلك الظروف من عرقلة سير أيامي وسُبل الطمأنينة والسلام لي وللكثير من المؤثرين وأصحاب المحتوى..
كذلك لستُ من المثقفين الذين ينتهجون منهجاً معيناً في ثقافتهم، فأحياناً أكون غير مطمئنة لصحة رأيي، لانه من الصحيح ان معيار صحة الآراء في الكثير من المناهج قد تتغير. فهي غير ثابتة، فآرائي وتوقعاتي وتصوراتي تغيرت تماماً عما كانت عليه قبل خمس سنوات..
كل ذلك وارد في حياتي وفي حياة الكثير غيري.
فأنا هنا صاحبة قلم واحد يحمل اسمي لكني صاحبة فكر للكثير من الأشخاص في مجتمعي، وهذا دوري الأساسي ككاتبة وصاحبة رأي ومحتوى..
لكن عندما أُصاب بالخيبة والخذلان مرة ومرتين ومئة مرة من اشخاص كانوا من أساسيات حياتنا.. كانوا قناديل نجاة.. ما الذي يتبادر في ذهني غير الحيرة وشديد الاستغراب لهذه الخيبات المتوالية وللكثير في مجتمعي، يا تُرى..! لماذا باتت هذه الظاهرة سائدة على السطح، ولم تستمر في الخفاء كسالف زماننا؟..
كثيراً ما كنت انتهج الصبر والحذر وعدم توقع الخيبة منهم ابداً، فتوقع الخيبة لا يجلب الخيبة دائماً وهذا اعتقادي ومبدئي.. لكنه يزيد عادة من معدل ظهورها عندما أراها متكررة وظاهرةً بشدة على السطح.
لماذا باتت الخيبة والخذلان ظاهرة مجتمعية مميتة، لمن نعزو ذلك..؟
لا أريد لقلمي ان ينساب في الموضوع انسياباً كاملاً، فكلما استطعت أن يصل هذا الشعور بسرعة وسهولة افضل بكثير من الإطالة والتسويف..
لماذا نصاب بالخذلان..؟
عندما أرى نفسي والناس يصابون بالخيبة من علاقات امتدت لسنوات وفجأة وبلا سبب أو سابق إنذار تجد التخلي والجحود والبعد بلا مبررات أو أسباب مقنعة..
فالتي تقول اصبت بأشد الخيبات من أختي التي ربيتها وأحسنت تربيتها بعد وفاة والدينا، توقعت الخذلان من الدنيا بأسرها الا منها.. والتي تقول انتهت عشرتنا بعد صداقة دامت عمراً اكثر من عمر اولادي، والتي تقول اجد أمي تنتهج نهجاً لا ينتهجه المراهقون في حياتهم بعد أن بلغت من العمر ما بلغت.. أصبحت أمي تتأثر بالاصوات الخارجية التي تجعل العلاقة بيننا وبينها اشبه بالموت لا حب ولا اهتمام ولا أمومه..
الكل يشتكي الخيبات واشد الخذلان والوجع من بعد المودة والحب والعشرة الطويلة، والكثير الكثير من القصص التي تتردد على مسامعي بشكل يومي.. ولا أسباب تذكر وبلا مبررات.
أين مبدأ الرحمة والوصل والتسامح؟. أين التنازلات والاخذ بالاسباب والعذر؟.. أين مبدأ الايثار الذي تربينا عليه حتى مع الغرباء؟..
كيف أصبح الناس يجرؤون على جرح فلان وطعن فلان وتدمير فلان.. والتخلي والابعاد والضرب بقلوب من حجر.
لم نكن هكذا ولم نتغير حتى بدأ الاغلب يتخلى عن القيم والمبادئ التي تربينا عليها في البيوت الصالحة القديمة، لم نتغير حتى بدأ الكثير يتّبع نصائح متصدري منابرنا الاعلامية (لا تسامح- لا تتنازل - اترك صاحبك وبتلاقي افضل منه - نفسك اولاً - لا تسمح لأحد أن يغير قناعاتك وآراءك - وقتك ملكك فقط) كثيراً ما صددت هذه الشعارات من قِبل بعض المغردين في مجتمعنا بصوتي، واليوم ها أنا أحاول صدها بقلبي وقلمي بعد أن تأذيت منها شخصياً، وذلك اضعف الايمان.. لن أسمح لأي فكر منحل وخال من كل مبادئ الرحمة والحب أن يعبث بفكري وفكر الناس في مجتمعي، لن نسمح لأحد أن يستثير مشاعرنا وأحاسيسنا بالتخلي والترك.. كلنا أصحاب مبادئ وقيم وأخلاق.
فقط..!!
هل نستطيع ان نعوّد أنفسنا على تحمل بعضنا البعض..
هل نستطيع أن نحارب بعض الفرضيات التي لا تمت لديننا ومبادئنا بصلة..
هل نستطيع ترك الاثر الطيب في النفس إذا فُرض علينا الرحيل، ونحتفظ بكل ذكرى جميلة كانت بيننا..
هل نستطيع؟!..