محمد ناصر الأسمري
أدخلنا أبي رحمه الله المدرسة في مدينة الطائف، أخي غازي وأنا. كانت الطائف مدينة ولا تزال جميلة محاطة بقرى ومحافظات أجمل وكل واحدة منها بمذاق،
وزعت المدرسة على طلاب السنة الثانية كتابا للعلوم، بغلاف عليه صورة ديك ملونة، وبدا منظر الديك لافتاً.
كانت أستاذ العلوم فتحي من فلسطين شديداً، وبعد أن شرح لنا درس العلوم عن الدجاج، سألني ماذا نستفيد من الدجاج يا محمد، قلت ما الدجاج؟ قال ألا تعرف الدجاج، قلت لا. قال والذي على غلاف الكتاب، قلت ديك؟ قال وهو ومرته وأولاده ماذا تسمونه، قلت ديكة؟ قال إذن ما نستفيد من الديكة؟ قلت لا شيء.
قال كيف؟ قلت الديك نستفيد منه أنه (يزقر) لصلاة الصبح أي ينبه بدخول صلاة الصبح.
قال الأستاذ فتحي وماذا نستفيد من الدجاج غير هذا.. ألا تأكلون لحم الدجاج وبيضه؟ قلت نشوي البيض فقط.
قال ألا نستفيد من ريش الدجاج لعمل مخدات، قلت ما المخدات؟ قال التي نضعها تحت الرأس حين ننام. قلت هذه نسميها وسادة.
أما الديك فلا نأكل لحمه. قال لماذا؟ قلت لأنه يأكل من اليثوة، (الجثوة) التي هي مخلفات البقر والغنم والجمال التي تستمل في تدمين البلاد أي تسمديها.
بعد بضع من السنين زارنا في الرياض شيخ مسن كبير القدر والمقدار طالباً مني التوسط لدى مماثل له في الشيمة والقيمة، بسبب خلاف حصل نتيجة طعن بعدم قبول الشهادة، كان الرجل الطاعن قد وصف صنوه وهو مؤذن أنه مثل الديك يزقر ورجليه في اليثوة.
أصلحت بين الفاضلين وتصالحا وكنت الضمين لكل منها بوجبة وعطر مجلس وقبلة على جبين كل منها، رحمها الله.
المدار هنا أن جمال منظر الديك أفسده مسكنه ومدار بحثه عن الطعام في مكان ملوث.
هذا حال فئام من أناسي يدعون الطهر وهم في مسارب الأذى للناس، فلا صلاة لهم ناهية عن الفحش في القول والعمل ولا مواعظ رادعة عن التغول في الإنكار لما أحل الله والشطط في تكثير التكفير بدل التفكير. وهكذا ينمو التفكير والفكر العفن في مواطن الخبث.
ويصدق هؤلاء الفئام قول ابن سينا -رحمه الله-.
ابتلينا بأناس يعتقدون أن الله لم يهد سواهم.