د.عبدالله بن موسى الطاير
المناوئون للشرعية في الداخل اليمني وخارجه يرون في معركة مأرب أم المعارك وآخر المواقع التي توحد اليمن تحت شرعيته المعترف بها دولياً. ولأن المملكة ترى في معركة مأرب أهمية بالغة في كفاح الشعب اليمني لاستعادة أرضه وحكمه من الانقلابيين الحوثيين، دعت «طرفي اتفاق الرياض للاستجابة العاجلة لما تم التوافق عليه» صوناً للدماء وتوحيداً للجهود اليمنية ضد عدو اليمن المشترك وهو جماعة الحوثي المدعوم من إيران. وقبل البيان السعودي صرح الأمريكيون بأن كيلهم طفح مع الحوثيين وطالبوهم بإيقاف محاولة اقتحام مأرب.
يضع الحوثي إيقاف الحرب، وفتح الحدود، والعودة إلى طاولة المفاوضات شرطاً وحيداً للقبول بأي مبادرة سلام في اليمن. ولا يمكن أن يكون الحوثي جاداً في نزوعه للسلام، ولكنه ينهي مفعول القرار الأممي 2216، ليتحاور بكامل مكتسباته التي حققها بالانقلاب على السلطة الشرعية. ليس من المعقول أن تدفع إيران الحوثي ليعود إلى طاولة مفاوضات عليها 565 مشاركاً يمنياً نصيب الحوثة منها 35 مقعداً.
الكل -ما عدا أتباع الحوثي يعلمون أن قرار وقف الحرب ليس بيد الحوثي، وإنما هو بيد الحرس الثوري الإيراني؛ وبحسب قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكينزي فإن إيران ترى مصلحتها في استمرار الحرب، ولا «يشغلها تدهور الوضع الإنساني في اليمن». الأمن القومي الإيراني لا يعبأ بتحقيق الحوثي مكاسب سياسية أو انتصارات عسكرية، وإنما يعمل على إبقاء الجوار السعودي مضطرباً من أجل استنزاف المملكة عسكرياً وسياسياً.
وفي هذا السياق، فإن الحوثيين لا يشكلون بحد ذاتهم تهديداً عسكرياً للسعودية، لكن الوضع الإنساني في عموم اليمن، وتحديداً المناطق التي يسيطر عليها الحوثي يشكل ضغطاً إنسانياً على السعوديين، وهو ما تراهن عليه الجماعة التي تحارب بكل شيء في اليمن، بما في ذلك جوع ومرض وعوز اليمنيين من أجل دعم أجندة إيران الدولية.
المتابع لخطاب الحوثيين يجد حشداً من المفردات والتعبيرات غير المترابطة وغير المنطقية، ولكنها تعتبر محفزة للجيش العقدي الذي يحارب به الحوثي في مأرب؛ فعلى سبيل المثال يستخدم الحوثيون إسرائيل بكثرة في تصريحاتهم وكأنها على الطرف الآخر من ميدان المعركة، ويبيعون على أتباعهم أن حرب مأرب وجودية للحيلولة دون إسرائيل واحتلال اليمن، لاسيما وأنهم قد أقنعوهم قبلا أن أنصار الله جزءا من منظومة إيرانية لمقاومة إسرائيل وسط التطبيع العربي معها.
ويدفع الخطاب الإعلامي الحوثي بأنهم يحاربون تحالفا إماراتيا سعوديا، وأنجلو أمريكيا، وحلف الناتو بقيادة إسرائيل وأمريكا، وشركات صهيونية كبرى للسلاح والنفط.
هذا الخطاب المتهافت يجد له آذانا صاغية وقلوبا واعية، ويجعل الأتباع يشترون وعد الشهادة أو النصر.
مأرب جائزة يريد الحوثي الدخول من بوابة النصر فيها إلى طاولة المفاوضات مهما كانت خسائره البشرية. وغير بعيد عن المشهد، يتربص المجلس الانتقالي الجنوبي بالشرعية في مأرب، ويراها فرصة مواتية لإنهاء اليمن الواحد.
ولذلك ففي مأرب تجتمع خيوط اللعبة، ولكنها يمكن أن تؤول باليمن إلى التقسيم.
الركون إلى إنهاك الطرفين؛ الحوثي والشرعية، لإرغامهما على الجلوس بتواضع إلى مائدة الحوار سيلحق الضرر بالشرعية، فالحوثي يركن إلى مقاتلين يحاربون على أساس عقائدي وبكلفة لوجستية متواضعة جداً، وخسائره لا بواكي عليها، أما جيش الشرعية فعدده على الأرض غيره على الورق، وتتنازعه انتماءات سياسية وقبلية وأيديولوجية، وهو لا يحارب على أساس من عقيدة دينية، وإنما على أساس شرعية سياسية، وبذلك فإن حلفاء الشرعية من المكونات اليمنية يحاربون بنصف انتباههم؛ وينصرف النصف الآخر لخيارات منها الحوثي فيما لو انتصر. ما يجري هو اختبار مصيري للشرعية وحلفائها، فالتفريط فيها سيعني نهاية الشرعية، وربما طلاق جنوبي بائن مع شمال اليمن، وستفت هكذا خسارة في عضد اليمنين الموالين أو المتعاطفين مع حكومة هادي.
يستعر وطيس أم المعارك اليمنية في مأرب، وبالموازاة لها تنشط سوق النخاسة الرائجة حيث تُعرض الولاءات لمن يدفع أكثر، ويبتاع فيها ويشتري المتكسبون بالحرب من جميع الأطياف اليمنية. وهناك مكون يمني يترقب ويستفيد من الحرب لإنهاك أعدائه، وإذا آل الوضع إلى الحوثي فإنه لن يحكم طويلا، فمن يرون أنهم أحق بحكم اليمن يتربصون، وسيقومون بتصفية القيادات الاثني عشرية، كما فعلوا سابقا مع حكام اليمن منذ الثورة، ولذلك فإنني لست قلقا من تفرد الحوثي بحكم شمال اليمن فذلك لن يحصل، غير أن القلق الحقيقي هو في وجود ميليشيا مسلحة على حدود المملكة الجنوبية على هامش يمن مقسم.