عمر إبراهيم الرشيد
ليس هناك استثمار يفوق الاستثمار في الإنسان، وتنمية طاقاته الكامنة ومواهبه الدفينة وبالأخص في فترة الطفولة، وهي الفترة الخصبة للتعلم والابتكار. أعجبني الفنان يوسف الجراح في برنامجه (العبقري الصغير) الذي تبثه قناة (اس بي سي) أسبوعياً، عندما يستضيف فيه بالفعل عباقرة بعضهم لم يتجاوز ربيعه الخامس، نبغوا في ميادين مختلفة كالرياضيات واللغات والفلك والشعر وغيره من المجالات. وكما كتبت هنا من قبل وقلت إن الشخصيات الفنية والرياضية بإمكانهم توظيف شهرتهم وتأثيرهم لدى الجمهور بالمشاركة في برامج أو حملات تثقيفية في مختلف القضايا التي تهم المجتمع، لأن للشهرة كما هو معروف تأثير لدى المتلقي وبالأخص فئة النشء والشباب وهاتان الفئتان هما بنية المجتمع المستقبلية، ولذا يستحق الممثل المتميز حقيقة في أدائه الدرامي وفي خلقه الودود وتواضعه وبعده عن التصنع، يستحق الشكر والتشجيع حقيقة على إبرازه المواهب والنوابغ الصغار الذين هم عماد وقيادات المستقبل كل في مجال نبوغه، إذا ما وجدوا الدعم والفرص لتنمية وتوظيف نبوغهم لخدمة وطنهم ومجتمعهم بمشيئة الله تعالى.
على الجانب الآخر نجد من ذهب يقلد تلك البرامج المعلبة التي تستوردها قنوات فضائية محسوبة علينا بكل أسف، لاستضافة أطفال بمواهب غنائية وفنية لا تتميز عما تعصف به مئات القنوات من عويل وصراخ يطلق عليه تجاوزاً مسمى الطرب. أو تجد من استنسخت برنامجها كذلك من تلك البرامج المعلبة بحذافيرها وبتقليد ممجوج، وضحك مصطنع ليس له ما يستدعيه برغم هدوء بعض من تستضيفهم، وبرغم إمكانية إخراج البرنامج بلا تصنع وبرزانة دون تجهم أو عبوس، فالضحك الموزون أو الابتسام من قبل المذيع من سمات الجمال الداخلي وهو المطلوب. ولقد كتبت هنا مراراً بأن قنواتنا الرسمية خضعت لعمليات تطوير في المحتوى وفي التنوع، لكن المحاولات المحمومة لمجاراة القنوات الفضائية وتقليدها حتى في سلبياتها أمر بات مكشوفاً، ويحسن بالقائمين على هذه القنوات مراجعة وسائل العرض وتكرار الدعايات للبرامج نفسها التي تعاد كل خمس دقائق على مدار الساعة!، فهل هذا هو ما يجلب رضا المشاهد الذي انصرف أصلاً إلى جواله أو سينماه المنزلية ليشاهد ما يريد.
مرة أخرى أقولها شكراً ليوسف الجراح الذي أثبت أن لدينا فنانين بحس اجتماعي وفني راقي، وما زلنا ننتظر ممثلين آخرين ولاعبي كرة لرفع الحس المروري وفن القيادة في طرقنا وشوارعنا، أما الأطباء والأكاديميون في مختلف المجالات فدورهم محفوظ ومشهود، وكل ميسر لما خلق له، إلى اللقاء.