عطية محمد عطية عقيلان
نحافظ على حواسنا ونحميها من التأثيرات الخارجية حتى لا تضعف أو تتضرر، فنجد أطباء العيون يحثون على تجنب التعرض للشمس ولبس النظارات الشمسية للوقاية من وهجها حفاظًا على العين، حتى أن العرب قديمًا كانت تستخدم الكحل لتجميلها وحمايتها من الشمس والأتربة، ورأينا كيف حمينا حاسة الشم باستخدام الكمامات للوقاية من الفايروسات، حتى أنه عرف لدى العرب تغطية الأنف «باللطمة» لتقيهم الأتربة وحرارة الجو، وميزة حاسة الشم التي نغطيها أنها قوية وتميز الروائح ولا تخدعك عادة لأنها تميز ما يصلها بدقة، إلا أن من أكثر الحواس المؤثرة في سلوكنا وردات أفعالنا هي السمع، التي تستقبل الكلام دون القدرة الفعالة على تبيان الكلام الصحيح أو المعلومة الكاذبة أو الخبر الحقيقي، بل إن المؤثرات الصوتية وطريقة سرد الناقل، قد تكون أحيانًا مضللة عند تلقينه له، خاصة أن الكلام دومًا يتعرض عند النقل للزيادة والتبهير ليكون مؤثراً فينا لتصديقه، وقد تتسبب أحيانًا في تعكير مزاجنا وحالتنا النفسية أو وقوع خصومات وقطيعة بسبب سوء النقل وعدم دقته أو صحته. لذا يتطلب ذلك منا ابتكار وتطوير وسائل للحفاظ على حاسة السمع دون تعرضها للخداع والتضليل أسوة بباقي الحواس، ولكي نحافظ عليها من ذلك بصنع «كمامة الأذن» الافتراضية لنستخدمها في «غض السمع» عن ما يؤذينا وتفعيل مبدأ أذن من طين وأذن من عجين مع الأشخاص الذين يلوثونها بقصص وحكايات الناس المأساوية أو التي تطال سمعتهم وأمانتهم وأغلبها مفبركة أو أضعف الإيمان غير مفيدة، ولكنها تكدرنا بما تحمله من أخبار مؤلمة ومأساوية ولا تخصنا من بعيد أو قريب، كجريمة قتل في بوليفيا أو انهيار جسر في هوندوراس أو طلاق نجمة أو نفوق حمار، وأيضًا لا بد أن نتجنب الاستماع إلى النجوم والمؤثرين وقصصهم ومغامراتهم التي تعود عليهم بالفائدة المالية ولكنهم ينقلون لنا طاقة سلبية أو تحسراً على وضعنا ولوم العائلة ومن حولنا على حالنا، ولنستبدله بالاستماع إلى ما يريح النفس ويشحذ الهمة ويؤنس ويبهج في الحياة، ولنحرص على تنشيط مبدأ دخول الكلام من أذن وخرجه من الأخرى لكل الحديث المستفز والذي لا يعجبك أو يفيدك أو يريحك، مع التعود على الاستماع الجيد حتى النهاية، ولا تأخذ كل الكلام بجدية وصدق مطلق ولنطبق معايير التحقق ببذل القليل من البحث لتبيان صحته ونتجاهل المفبرك والمبهر منه، ولنطبق مقولة جورج برنادشو «استمع ثم ابتسم ثم تجاهل،يس من الضروري أن تأخذ كل شيء بجدية».
الخلاصة:
لنستفد من ما نطبقه أحيانًا من غض البصر لنتدرب على ذلك في غض السمع والتزام الصمت، ونكتفي بأقل درجات الاستماع وبدون ردة فعل كلامية، خاصة ممن لا يعجبهم شيء في الحياة والذين وصفهم الجاحظ «لو تأملت أحوال الناس لوجدت أكثرهم عيوبًا أشدهم تعيبًا»، ولنتكلم بهدوء ونخفض الصوت فرفع الصوت والازعاج والضوضاء يضايق ليس الإنسان فقط بل أيضا الحيوان والنبات، فالصوت العالي يحول بعض الحيوانات كالدببة إلى عدوانية وتدفعها لمهاجمتك، فلنتعود على رقة الكلام والنبرة المعتدلة، يقول أفلاطون «اكسب قلوب الآخرين بأربع، بطيب الكلام، وجميل الاهتمام، وصدق الالتزام، وحسن المعاملة». ولنتذكر أن الصوت العالي كما قال شكسبير يصدر من الإناء الفارغ، وفي النهاية لن يتوقف الناس عن الكلام ليصل لنا ومحاولة التأثير علينا، ولنتقن فن التجاهل وغض السمع والتمحيص حتى لا يؤثر على حياتنا وصحتنا وعلاقاتنا، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله «كلام الناس مثل الصخور إما أن تحمله على ظهرك فينكسر أو تضعه تحت قدمك فتعلوا وتنتصر».