عبدالرحمن الحبيب
انطلقت من قمة مجموعة الدول الصناعية السبع هالة دبلوماسية وصخب إعلامي في الغرب حول مبادرة تاريخية عظمى لإنشاء بُنية تحتية عالمية تلبية للاحتياجات الهائلة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. المبادرة نالت إعجاباً في الغرب بينما أثارت غضب البعض في الشرق الذين بدا لهم أن المشروع موجه كمنافس لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، أما دول العالم النامي فلا يبدو أنها اكترثت لأمر لم تظهر معالمه بعد بينما تجاوزت مبادرة الحزام والطريق مراحل متقدمة في أكثر من سبعين دولة، فكما يقول المثل الشعبي «السوق من سبق لبق»..
المبادرة المُعلنة أطلق عليها خطة «إعادة بناء عالم أفضل» واختصاراً «B3W» (Build Back Better World)، تم إطلاقها الشهر الماضي يونيو 2021؛ ومن الواضح أنها مصممة استراتيجياً لمواجهة النفوذ الصيني، كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ بموجب الخطة ستقدم دول مجموعة السبع، بقيادة الولايات المتحدة، نحو 40 تريليون دولار للدول النامية على فترة ممتدة حتى عام 2035، وبتمويل من القطاع الخاص وسيتم استثمارها، حسبما أعلن، لتحسين الظروف في «المناخ والصحة والأمن الصحي والتكنولوجيا الرقمية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين» للعالم النامي..
بطبيعة الحال لا مجموعة السبع بخطتها ولا الصين بحزامها مشغلة همومها ومشاريعها لرفاهية العالم النامي أو رأفة بالبلدان المنخفضة الدخل قدر ما أن الهدف استراتيجي للنفوذ واقتصادي للتربح والمنافسة الطبيعية بين الدولتين الأعظم: أمريكا والصين.. فماذا تقول الآراء المختلفة حول هذا الفصل الجديد من المنافسة بينهما؟
لودوفيكا ميتشي وهي باحثة مستقلة في الصين تركز على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين، ترى أن بعض دول الغرب مثل إيطاليا تعلمت درساً قاسياً عن الصين، وأن التحالفات الغربية القديمة عادت إلى الطاولة بعد فشل اتفاق 2019. كتبت ميتشي عندما وقَّعت إيطاليا مذكرة تفاهم لدعم مبادرة الحزام والطريق الصينية عام 2019، كان رئيس الوزراء آنذاك جوزيبي كونتي يحكم منذ أقل من عام، لكن الائتلاف الحاكم لحركة خمس نجوم الشعبوية وحزب الرابطة اليميني لم يتمكنا من الاتفاق على تفسير المذكرة.. في السابق، لم تحتل بكين مكانة بارزة بالسياسة الخارجية للبلاد، بل كانت المناقشات حول الصين محدودة؛ بينما كان قادة الائتلاف المختل يتنافسون، ولم يحدث الجدل حول المذكرة والمصالح الإيطالية تجاه الصين إلا من خلال برامجهم الانتخابية. بالنسبة لحركة الخمس نجوم، مثلت الصين فرصة لتصدير المنتجات المصنوعة في إيطاليا، بينما أصر حزب الرابطة على الحاجة إلى حماية المصالح الوطنية.
لكن جريجوري دبليو ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، لا يرى أن خطة «إعادة بناء عالم أفضل» أعادت فقط التحالفات الغربية القديمة إلى الطاولة، فهذا القول يعني التقليل من شأنها..» ميكس هلل مرحبا: «أخيراً، يمكن لشراكة «إعادة بناء عالم أفضل» كسر الحزام والطريق الصيني.. عندما تتحرر الدول من ممارسات الديون القمعية في الصين، يمكن للاقتصادات في جميع أنحاء العالم تحقيق نمو مستدام من خلال التجارة والاستقرار والازدهار الجماعي.. وكتب: «أظهرت الرحلة الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الخارج عودة أمريكا إلى المسرح العالمي، حيث تقود مرة أخرى طليعة الحلفاء عبر الأطلسي المتشابهين في التفكير - المرتبطين ببعضهم البعض من خلال القيم المشتركة للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون..».
لكن على خلاف ميكس، يرى الكاتب الباكستاني سيد زين رضوي أن الخطة الغربية «إعادة بناء عالم أفضل» لن تحمل شمعة إلى مبادرة «الحزام والطريق» على المدى الطويل ولكن يمكن أن تخلق مشاكل لأعضاء مجموعة السبع إذا تمكنت من إثارة غضب الصين على المدى القصير. يذكر رضوي أن الخطة لن تقف ببساطة كمنافس لا لزوم له لبرنامج «الحزام والطريق» الذي يكبر وينمو بالفعل.. فمع هذه الطبيعة الجذابة لمبادرة الحزام والطريق، نما البرنامج بشكل كبير خلال العقد الماضي، ويستضيف الآن 71 دولة كشركاء في المبادرة التي تمثل حاليًا ثلث إجمالي الناتج المحلي في العالم ونحو ثلثي إجمالي سكان العالم.
كما يرى الكاتب أنه على عكس الصين وسياستها الموحدة، فإن مجموعة السبع منقسمة في مواقفها تجاه الصين ولديها مجموعة من المشاكل التي يبدو أنها تتجاوز الافتراض المفرط في التفاؤل بأن مشروع «إعادة بناء عالم أفضل» هو التيار البديل لمبادرة الحزام والطريق.. فلا تشكل مثل هذه الشراكة المنقسمة تهديدًا لمبادرة الحزام والطريق، خاصةً عندما يعتمد الشركاء اعتمادًا كبيرًا على السوق الصينية ولا يمكنهم تحمل إهانة مبادرة الصين المتنامية منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك يهدف مشروع «إعادة بناء عالم أفضل» إلى أن يتم تمويله محليًا من خلال وكالات المساعدات والبنوك والبرامج التنموية بينما مبادرة الحزام والطريق ممولة من الدولة وبالتالي تتمتع بمجموعة متنوعة من طرق التمويل بما في ذلك طرح سندات مبادرة الحزام والطريق.
مشروع «إعادة بناء عالم أفضل» لم ير النور بعد ولم تكتب عناوينه الفرعية فضلاً عن تفاصيله، ولكنه في طور التجهيز، ومهما كان الهدف فالمهم للبلدان المستضيفة هو كيفية الاستفادة من التمويل والخبرة على المدى القريب والبعيد على حد سواء دون التهور وإلحاق الضرر بمستقبل بلدانهم..