عبد الله سليمان الطليان
لقد شهدنا تقدماً طبياً هائلاً على مستوى العلاج أو الدواء، وكذلك الأجهزة الطبية التي مكنت من الوصول والمساعدة في تشخيص الأمراض والقضاء على البعض منها، ومع هذا التقدم الطبي الذي يخدم الإنسانية التي يعتبر الركيزة الأساسية في هذه المهنة ومنذ القدم، إلا أنه مع الأسف أصبحت في واقعنا العالمي اليوم وقبل سنوات متقاربة ذات طابع تجاري بحت على نحو مقلق، لقد دخلت التجارة الطبية بأشكال عدة وبطرق مختلفة، تسعى إلى الربح المادي دون أن يكون هناك أثر للبعد الإنساني الذي يقدر حالة المريض ومعاناته على مستوى العالم كافة، حتى في الدول المتقدمة رغم وجود هيئات ومؤسسات صحية مدافعة، والتي ضاعت جهودها التي تقوم بها بفعل الطمع المادي الجشع الجارف الذي أخذت دائرته تتسع مع دخول وسائل طبية مختلفة جديدة وحديثه متنوعة، مثل الغذاء والعناية بمظهر الجسم والعناية التجميلية بشكل عام للجنسين، وسنلقي الضوء على أمثلة لهذا التوجه التجاري الطبي في أمريكا من خلف دراسة وبحث مستفيض ربما تكون متأخرة قليلاً نوعاً ما، ولكنها تعطي الحقيقة حول هذا التوجه، قام بها فريق عمل من جامعة كورنيل الأمريكية في نيويورك بقيادة (ماديلون لوبين فينكل) أستاذة الصحة العامة الإكلينيكية بكلية ويل للطب في نفس الجامعة عنوانه (الحقيقة والأكاذيب في قضايا الصحة العامة)، تطرقت فيه هي وفريقها إلى عدة جوانب مختلفة تتعلق بالصحة والأمراض المختلفة، ولكننا هنا سنركز على الموضوع الذي يهمنا، وهو تجارة الطب في مجالين فقط.
من ضمن موضوعات البحث المتعددة، إشارة فيه إلى زيادة المكملات الغذائية في أمريكا بشكل درامي، وأنه في مسح عن استهلاك هذه المكملات عام 1990، وثق البحث معدل انتشار طوال 12 شهراً، حيث بلغ 5.2 في المائة لاستخدام أي مستحضر عشبي، وجرى بحث مماثل عام 1997, زاد معدل الانتشار إلى 12 في المائة، وهذا يصور زيادة في الاستهلاك خلال فترة قصيرة، تشير تقديرات النتائج الأخيرة إلى أن حوالي خُمس الأمريكيين يستخدمون -حالياً- نوعاً واحداً على الأقل من المكملات الغذائية يومياً، مع اختلاف التعاطي باختلاف المنتج، أي بين (الفيتامينات والأعشاب وغيرهما) الذي بدوره حوّل صناعة المكملات إلى صناعة غذائية ضخمة، قدرت مبيعاتها في عام 2006 بحوالي 20 بليون دولار، وصل هذا الرقم عبر ألف مصنع يقوم بتسويق 29 منتجاً، نأتي للأهم وهو أمان هذه المكملات الغذائية على الصحة، والتي صار فيها جدال واسع. هناك بطبيعة الحال آثار جانبية ضارة لتلك المكملات الغذائية، تتضمن كل درجات الشدة، وتؤثر في كل أجهزة أعضاء الجسم، وهذه الشدة تتراوح من المعتدلة (الحساسية والغثيان والإسهال) إلى الخطيرة مثل (ارتفاع ضغط الدم، وزيادة ضربات القلب، والأزمات القلبية واختلال وظائف الكبد) ما زال الأمر في سجال قوي حول تصنيف هذه المكملات بين الغذاء والدواء، وكذلك في مسألة أن وضع بطاقة المنتج التي تقول إنه يشفي مرضاً معيناً أو يمنعه، والذي يدحض هذه العبارات هو أن الأدلة الوبائية تكذب هذا إلا في حالة بعض المنتجات الآمنة التي تحمل معلومات دقيقة موثقة، ويبقى هناك سعي مسعور من تجار تلك المكملات الغذائية التي تدر الربح الوفير.
يأتي بعد المكملات الغذائية (السمنة) التي صاحبها أرقام صادمة تتمثل في أن:
* نسبة 46 في المائة من الأمريكيين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.
* 300 ألف وفاة سنوياً، يمكن ربطها بالسمنة.
* إنفاق 30 بليون دولار سنوياً على منتجات فقدان الوزن وخدماتها.
* ارتفاع السمنة بين الأطفال بطريقة مثيرة للإزعاج.
لقد تغيرت النظرة إلى السمنة، وأصبح شكل الجسم البدين رمزاً على عدم الجاذبية، وأسهم في هذا عاصمة السينما هوليوود التي راحت تروّج للغذاء الصحي عبر النجوم الذين جعلوا النحافة ذات رونق وجذب، والتي معها ولدت صناعة ضخمة لإنقاص الوزن، صدرت تشريعات لكبح هذا عن طريق تنظيم سوق الإعلان والتسويق ورفع ضرائب على الأطعمة قليلة القيمة الغذائية مثل الحلوى والمشروبات الغازية في بعض الولايات، كانت الحصيلة نحو بليون دولار سنوياً تذهب إلى الخزانة العامة لكل ولاية، ولكن هذه التشريعات لم تصمد طويلاً بسبب الضغوط القوية التي مارستها صناعة الطعام، والذي أدى إلى إلغائها في بعض الولايات، تحت عدم بناء مصنع، يضاف إلى هذا جماعات الضغط على المستوى القومي ومستوى الولاية، إن من مصلحة صناعة الأطعمة على كل المستويات بما فيها الزراعة ومنتجات الأطعمة، والأطعمة السريعة, والمطاعم، التركيز على كمية الطعام الذي يأكله الناس، ويتضح الأمر جلياً عندما يقوم منتجو الطعام بنصيب ضخم من الأموال في حملات انتخابات الكونجرس، لضمان استمرار منافعهم.
سوف أنتقل إلى واقعنا، وأنقل الصورة التي في رأيي مكملة لما ذكرت سابقاً، ولكن بطريقة مختلفة التي تسعى إلى تحقيق الربح المادي عبر الدعاية والتحايل والاستغلال والجهل وعدم الوعي الطبي، بداية قد تكون وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي قنوات يمكن أن تزيد التثقيف الصحي من خلال إطلالة بعض الأطباء، والتي يمكن أن نقول إنها حققت بعض الوعي لدى المجتمع لدينا، ولكن هناك أمراً في غاية الاستهجان، عندما يقوم الطبيب بعمل دعائي إعلامي له من خلال هذه القنوات، والذي نجده عند بعض الأطباء الذين هم ناقصو الخبرة وغير مطلعين على الأبحاث والدراسات الحديثة، ولا يوجد لهم حضور مكثف في الكثير من المؤتمرات واللقاءات الطبية في مجال عملهم، ينصب تركيزهم على الربح مع الأسف، الصورة الأخرى التي تشوه المهنة الإنسانية هي الاستغلال والجشع، وهي أشد، وهذه تحدث أحياناً في المستشفيات والمراكز والمستوصفات الأهلية، فهناك المبالغة في الأسعار في تقديم الخدمة الطبية المتكاملة يصاحبه عدم تقديم الرعاية الصحية بالشكل المطلوب، تحت التذرع بأعذار واهية، تخفي حقيقة الطمع والاستغلال، ولعل ما يبرز في هذا الجانب علاج الأسنان وتقويمها، وتلك المتعلقة بالتجميل لدى المرأة، يضاف إلى هذا وهو متعلق بالتأمين الصحي من قبل شركات التأمين وعلاقته بهذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية المختلفة، وهو وضع المريض الذي لديه تأمين في دائرة المماطلة المقصودة التي تجعله يضيق ذرعاً بتأخير الموافقة الطبية من أجل الكسب أكثر، وأضيف أخيراً إلى وضع بعض الأطباء في هذه المستشفيات والمراكز الصحية الأهلية وهي النظر إلى المريض على أنه (بضاعة يجب تصريفها بسرعة) لأن هناك أمراً بزيادة عدد المرضى المراجعين، فيجب عليك أيها الطبيب تقليص الوقت في مقابلة المريض، أتمنى من وزارة الصحة سن أنظمة أكثر صرامة لكي تحافظ على المريض من هذا الجشع.