د. أحمد محمد الألمعي
هناك اختلاف كبير في أفكار وتصورات مراجعي عيادة الطب النفسي فيما يتعلق بالتشخيص والعلاج، فهناك من يعتقد أن الطبيب النفسي بإمكانه أن يصف العلاج السحري الذي يجعل أعراض المرض النفسي تختفي تماماً وبسرعة بصرف النظر عن نوعية التشخيص، وبالمقابل هناك من يحضر للعيادة باعتقاد صارم رافضاً لأي نوع من الأدوية النفسية، بسبب اعتقادات خاطئة أن الأدوية النفسية تسبب الإدمان وتغير في الشخصية ولها آثار تؤدي إلى الوفاة مثلاً. ومصدر هذه المعلومات في كثير من الأحيان هم أشخاص لا يمتون إلى الحقل الطبي بأي شكل من الأشكال وأحياناً قد يكونون من غير المختصين العاملين في المجال الصحي من الذين لديهم معلومات قليلة أو مشوهة عن العلاج الدوائي، وأحياناً يكون مصدر المعلومات هو مواقع الإنترنت التي تحتوي على معلومات مغلوطة, جزئية أو مشوهة أو قد يكون الموقع مغرضاً وهدفه هو تشويه صورة العلاج النفسي الدوائي لأسباب مختلفة، مثل السعي إلى الشهرة كما أن هناك بعض المجموعات في الغرب مثل طائفة دينية تسمى church of Scientology تعتقد بأن العلاج النفسي مضر وضد التعليمات الإلهية ويجب تجنبها، وتقوم الطائفة بنشر المعلومات الخاطئة والمشوهة ويقومون بعمل مظاهرات احتجاج أمام مقر مؤتمرات الطب النفسي حول العالم ولي تجارب شخصية سلبية مع هذه الفئة من الناس التي لا يمكن التحاور معها، وأخيراً فهناك مجموعات تقوم بنشر الشائعات والخرافات وترويجها، وقد رأينا نشاطات هذه الجماعات تزداد بشكل مكثف في وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية جائحة الكورونا، مثل تسويق نظرية المؤامرة بادعاء حقن البشر برقاقات كمبيوتر بهدف السيطرة على الأفكار والسلوك علماً بأن شعب الخليج والمملكة تحديدا من أكثر شعوب العالم استخداماً لتطبيقات التواصل الاجتماعي. وأنا في هذا السياق هدفي التوعية بحكم خبرتي كطبيب نفسي ممارس منذ 30 عاما منها 21 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية، مررت بالكثير من التجارب المهنية منها كون الكثير منهم يعانون من الوصمة الاجتماعية والخجل من مراجعة الطبيب النفسي وهذه المشكلة موجودة في الغرب والشرق، وهناك الكثير من الأفكار التي تشكل عائقاً في طريق علاج المرضى وتغيير حياتهم إلى الأفضل، أو قد تتسبب في ترك المريض للعلاج حتى أن بعض المرضى ممن قد يستمر في مراجعة العيادة وإيهام الطبيب بأنه مستمر في العلاج بينما هو فعلياً لا يأخذه بانتظامأو أوقف العلاج ويتجنب إبلاغ الطبيب هذه المعلومة ويتسبب ذلك في فشل العلاج. ولا ننسى أن أسرة المريض قد يكون لهم دور سلبي، فيحثون المريض على ترك الدواء ويقومون بترهيبه من أخطار الأدوية التي سمعوا عنها من خادمة الأسرة مثلا أو مصففة الشعر أو غيرها من المصادر الغريبة، كما نرى أحياناً دوراً سلبياً للمدرسة فقد يقومون بوصم الطالب بالمريض وتختلف معاملته ويقل الاهتمام به حتى أنني في كثير من الأحيان أنصح الأهل بتجنب تبليغ المدرسة بأن الطفل يتلقى علاجاً دوائياً، والذي يكون في كثير من الأحيان لعلاج اضطراب سلوكي بسيط مثل فرط الحركة ونقص الانتباه. في المقابل هناك الكثير من الآباء والأمهات الذين يطلبون من الطبيب في أول زيارة علاج دوائي للطفل بسبب صعوبة التعامل معه، وليس لديهم الصبر أو الوقت للتعامل مع الطفل الذي قد يحتاج إلى العلاج السلوكي بالتعاون مع المختص، وللمعلومية فإن جلسات العلاج النفسي والسلوكي هي جزء مهم من العلاج للأطفال والكبار وينصح بها في بداية العلاج وحتى بالتزامن مع العلاج الدوائي في بعض الحالات. من المهم توضيح أنه ليس هناك علاج سحري وللعلاج النفسي والدوائي دور كبير في تحسين نوعية حياة الشخص المريض ومساعدته على العيش بطريقة طبيعية، كما أن هناك بعض الأمراض النفسية المزمنة وخاصة في الكبار مثل القلق والاكتئاب قد تتطلب علاجاً دوائياً لفترات طويلة، وقد يتسبب إيقاف العلاج في انتكاسة للمريض. للعلم فإن أكثر من 90 في المائة من الأدوية النفسية لا تسبب الإدمان، ولكن في نفس الوقت فهذه الأدوية لها آثار جانبية مثلها مثل أي دواء طبي آخر وتحتاج إلى متابعة من قبل الطبيب. وهنا دور مهم للطبيب النفسي في التوعية والنقاش مع المريض لتوضيح كل ما يتعلق بالعلاج الدوائي سواء فيما يختص بتوقعات التحسن في الأعراض أو الآثار الجانبية المحتملة، ولكن قد يحتاج المريض للعلاج الدوائي إلى فترات قد تطول، فبالمقارنة فإن مريض السكري يحتاج إلى الأنسولين أو حبوب السكر لبقية حياته لأن العلاج يتطلب ذلك، ومن أغرب تجاربي التي تتكرر هو حضور شاب مع الوالدين للعلاج بسبب أعراض نفسية شديدة تتطلب العلاج الدوائي ولكن يرفض الوالدان أي نوع من العلاج الدوائي بسبب الخوف من الإدمان، والطريف في الموضوع أن هذا الشاب قد أدمن أنواعاً مختلفة من المخدرات لسنوات طويلة. كثير من الأدوية النفسية تساعد في تحسن الأعرض بنسبة كبيرة ويعود الشخص إلى ممارسة حياته ونشاطاته بتحسن كبير ولكن يجب ألا نتوقع أن العلاج الدوائي قد يسبب اختفاء الأعراض 100 في المائة كما أن العلاج الدوائي قد يتطلب الاستمرار في العلاج لمدة شهور أو سنوات وليس لمدة أسبوع أو أسبوعين كما نرى مثلا عند وصف المضادات الحيوية، كما أنه في كثير من الأحيان قد يظهر للمريض في البداية بعض الأعراض السلبية لمدة أسبوع أو أسبوعين قبل أن نرى التأثير العلاجي للدواء الذي قد يتأخر بعض الشيء. وهناك اختلافات كبيرة بين أنواع الأدوية النفسية سواء من حيث التأثير العلاجي أو الآثار الجانبية المحتملة كما أن العلاجات الدوائية لها تأثير معين على موصلات عصبية في الدماغ من خلالها يحدث التأثير الإيجابي العلاجي كما هو الحال في كثير من الأدوية الأخرى. أنصح بتجنب المعالجين الشعبيين غير المرخصين والمشعوذين مدعين القدرة على العلاج وقد رأيت خلال سنوات خبرتي الكثير من الآثار السلبية والكارثية لممارسات هؤلاء الجهلة الذين قد يزورهم المريض وهو في حالة يأس بسبب المعاناة أو بسبب الأفكار السلبية الخاطئة من الأهل والأصدقاء والاعتقاد الخاطئ بأن العلاج الشعبي آمن وهذا موضوع لمقال آخر مفصل، وأختم هنا بالقول إنه ليس هناك أفضل من الرجوع إلى القرآن والسنة التي حثت المرضى على طلب التداوي والعلاج وهناك الكثير من النصوص الدالة على ذلك.. نسأل الله الصحة والسلامة للجميع.