صبار عابر العنزي
مفهوم الحرية لا يمكن حصره أو تقنينه وفق رؤى أو أطروحات فكرية نظرًا لتباين المفاهيم، فكل شعب من الشعوب ينطلق من مؤشرات ومسلمات تشكل فهمه لهذا المصطلح، وهو أمر طبيعي ومقبول لدى النخب الفكرية، فالإنسان يضع تصوراته وفق حقائق ونتائج مسبقة أو مكتسبة من المكونات الحياتية الطبيعية المتطورة.
ورغم هذه الفوارق في فهم الحرية والاختلاف إلا أن غالبية أبناء شعوب الأرض ينطلقون من عبارة واحدة مشتركة تكاد تكون هماً مشتركاً، وهي (أنا حر)، هم يقولون ويصرخون ويشغلون الكون ضجيجاً لأنهم يجزمون بحريتهم، فهل هم أحرار فعلاً؟ وما أبعاد حريتهم؟
يقول الدكتور محمد إدريس حسن عضو المجلس الإداري للمنظمة الإسلامية للدعوة والإغاثة والمحاضر بجامعة الملك فيصل بتشاد: إن الإسلام قرر الحرية للإنسان وجعلها حقاً من حقوقه، واتخذ حرية الفرد دعامة لجميع ما سنه للناس من عقيدة وعبادة ونظم وتشريع.
حيث توسع الإسلام في إقرارها ولم يقيد حرية أحد إلا فيما فيه الصالح العام واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدساتهم.
ولا يمكن لكاتب أو باحث أن يتناول الحرية دون التذكير بمقولة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «متى استعبدتم الناس.. وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». ومن هنا فإن مفهوم الحرية من المنظور الإسلامي يتحقق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، لأن الحقوق من دون أن تقيد بالواجبات سيصبح الفرد غير مرتبط بالآخرين، وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه، وبذلك يصبح انفرادياً في تعامله قاصراً عن أداء واجباته.
أردت في هذه الاستشهاد والربط بين الحرية بمفهومها الإسلامي وبين الإبداع أين كان جنسه، ومعرفة ما مدى حرية المبدع.. خصوصاً مع المناداة التي تؤكد أن حرية الإنسان وكرامته هما القيمة الرئيسية في الحياة، كما أن حرية الكاتب والمفكر والمثقف والمبدع هي أولاً، كشرط ثابت ودائم لممارسة فعل الكتابة، والحريات الأساسية هي شرط ضروري لحياة طبيعية، يجب التمسك بها والدفاع عنها، تحت كل الظروف والأحوال، لأنها أساس الوجود الاجتماعي والقانوني المعاصر وليست منحة أو منة من أحد، لذلك لا يحق لأحد مصادرتها -كما ذكر أحد المفكرين- مهما كانت المبررات والدوافع، ولا يحق للإنسان ذاته أن يتنازل عنها، لأنه بذلك يفقد إنسانيته بالمعنى الحرفي والعميق للكلمة..!
كما أن ترسيخ مفاهيم الإبداع يمكن أن تساعده على إدراك آليات الابتكار والإنتاج، وعلى السعي إلى توظيف المعارف التي يتعلمها في حياته العملية بشكل جيد...
أيها المبدع حلِّق أينما اتجهت واكتب ما تريد ولكن اعلم أنك مؤثر ومحاسب على هذه الأعمال ومجتمعك الصغير بحاجة لوجودك فلا تصنع من هذا الحضور حفرًا تعيق مسيرة حضارة أمة بنيت على الوضوح والاحترام...!
ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع مرتزقة الكتاب في الأنساب الذين لا يستطيعون التحقيق في نسبهم ويكتبون عن الآخرين أو أولئك الذين يجمعون جهد غيرهم ويقومون بصفه وطباعته، وبعض القصائد التي أصبحنا نستمع إليها وهي للأسف تخدش قيمنا وتؤذي مسامعنا ونكرم ذواتنا عنها مثل ما نكرم أبناءنا من الانزلاق في هذا المستنقع الذي لا يليق بهم، فالمباشرة في الوصف والتعدي والتطاول على عباد الله، وتمجيد الذات والمدح الزائد عن حده على حساب الآخرين أمر مرفوض حتى في النطاق الضيق فما بالكم عندما يكون هذا الفعل أمام الملاء وعبر أمسية يحضرها الرجل وزوجته، وإذا غاب عن الحضور استمعت الأسرة لها من خلال القناة.. إنه فعل لا يليق، فالمبدع ليس حراً في كل حالاته!!!