أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
«الجزيرة» - كتب:
- هذا العمل يرصد مناهج: (الجمحي، وابن السكيت، والطوسي، والجاحظ، والسكري، وابن قتيبة، والمبرد، وثعلب، وابن المعتز، وابن الأنباري، وقدامة بن جعفر، والنحاس، والقالي، والآمدي، والجرجاني، وابن جني، والمرزوقي، والشنتمري، والزوزني، والبطليوسي، والتبريزي، والقرطاجني)
بمجهود علمي وأدبي استمر لأكثر من عقدين من الزمن، خرج إلى النور عمل استثنائي كبير في مجلدين، يعيد إلى الواجهة تلك الأعمال التراثية المجيدة التي شكلت واجهة الأدب العربي، ورسمت ملامح التراث بمختلف أبعاده وتحولاته، وبنظرة شاملة إلى تلك الجهود العظيمة التي أسست هذا الإرث الكبير والمشرف تبرز أهمية هذا الإصدار، فهذه الأعمال التراثية العظيمة تتطلب من العلماء الكبار مواكبتها ودراستها وتحليلها ورصد المجهود العميق الذي تضمنته هذه الأعمال التي تعرضت لكثير من حملات النقد والإقصاء لتتهمها بالعشوائية في التأليف وعدم التنظيم، ولعل الرد عليها يتطلب مجهودًا غير عادي، وقدرات خاصة تكشف عن مناهج هؤلاء النقاد وطريقتهم في التأليف.
هذا المشروع الجبار ظهر أخيرًا في مجلدين لينتظم إلى جوار تلك الأعمال الخالدة، وهي: مشروع جمع شعر القبائل العربية وتحقيقه ودراسته، وشرح المعلقات العشر وشعراؤها، شعراء بني قشير في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً- دراسة في مجلدين، وشعراء بني عقيل في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً- دراسة في مجلدين، وشعر بني عبس في الجاهلية والإسلام حتى آخر العصر الأموي جمعاً وتحقيقاً- دراسة في مجلدين، وشرح المعلقات العشر- في مجلدين، وهو آخر شرح وافٍ للمعلقات العشر بأسلوب حديث عصري، حقق فيه المؤلف شعر المعلقات، وفنَّد الأخطاء، وأورد الأبيات الشعرية في كل شرح من الشروح السابقة؛ ليبين الأصح والمتفق عليه منها، ويتميز عن غيره بأنه أول شرح يبين المواضع بشكل دقيق حيث وقف عليها المؤلف وبين أماكنها في المعلقات.
ويساند هذا الشرح كتاب آخر عن شعراء المعلقات العشر، ويختص بالشعراء والترجمة لهم وتحقيق أخبارهم.. ويعرض أيضًا المعجم اللغوي: من غريب الألفاظ المستعمل في قلب الجزيرة العربية، يستعرض فيه الألفاظ التي درج استعمالها في داخل الجزيرة العربية، ويبيّن أصولها وجذورها التاريخية، إضافة إلى كتاب ديوان الصمة القشيري وقضايا أدبية، ومعجم عودة سدير، ووطن يعبر القرن، ووقفات على الاتجاه الإسلامي في الشعر العربي، ومع التجديد والتقليد في الشعر العربي، ومصادر الأدب عند ابن خلدون، إلى جانب رواية تاريخية بعنوان: ضباعة العامرية.
وهذا الكتاب الذي نعرضه اليوم والذي يقف بجانب المؤلفات السابقة بعنوان: النقاد القدامى ومناهجهم، هو من نتاج رائد تحقيق الشعر العربي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل، الذي صدر في مجلدين، تجاوزت صفحاتهما 600 صفحة، الذي يكشف مؤلف الكتاب أهميته بقوله: «تكمن أهمية الموضوع في نظري في خدمة العلم والعلماء وطلبة العلم ونفع الناس عامة، فعندما طبعت كتابي: (شرح المعلقات العشر)، أقبل طلبة العلم على شرائه، وكثرت الاستفسارات عنه في المملكة العربية السعودية، وفي البلاد العربية بل وفي بعض البلاد الأوروبية التي تحوي جامعاتها عناية بالشعر العربي، وقد طبع لي قبل هذا الكتاب: (شرح المعلقات)، أكثر من عشرة كتب، فالإقبال على شرح المعلقات نابع من الحاجة إليه، وكتب ابن قتيبة ما زالت في أيدي الناس منذ تأليفها في القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا وقد اختفت مؤلفات كثيرة أو قبعت في رفوف المكتبات من دون أن يسأل عنها أحد، لأنها لا تخدم الناس في عملهم وفي حياتهم الاجتماعية، وأقدر أن كتابي هذا: (النقاد القدامى ومناهجهم)، له أهمية من قاعدة نفع طلبة العلم فقد اخترت الموضوع من أجل سد نقص أحس به في جانب تسليط الضوء على أعمال نقادنا القدامى، بحيث أوفيت كل ناقد حقه في استخلاص منهجه، وأبعدت عن التعميم بإشراك مجموعة النقاد في منهج موحد.
فالهدف من هذه الدراسة سد النقص في هذا الجانب من خلال رؤية ردم الثغرات والدراسات النقدية التي سبقت هذا الكتاب كثيرة وقد نفعت طلبة العلم، ولكن النقص الذي أشرت إليه في عدم إعطاء كل ناقد حقه في استيفاء منهجه هو الذي دفعني إلى تأليف هذا الكتاب، فالذي يتميز به هذا الكتاب إفراد كل ناقد بمنهجه مع الاستقصاء والتتبع لكل عمل من أعماله، بالإضافة إلى الاطلاع على ما كتب عنه وما قيل في منهجه أو في أعماله، ومن خلال هذا الاستقصاء أرى أنني أضفت إلى الدراسات السابقة إضافة أرجو أن تكون نافعة وأن تكون قد سدت هذا النقص، ومنهج البحث يقوم على الاستقراء والتتبع واستخلاص الأسس التي قام عليها منهج الناقد، ومن خلال الاستقراء الموصل إلى نتيجة أكون قد حققت ما أريد بجمع الملحوظات من أعمال الناقد نفسه يضاف إليها ما كتب عنه من وصف أعماله أو تقريظها، أو المنهج الذي استخلصته وصنعته وأثبته منهجًا منفردًا للناقد وهو منهجي في تناول نص أطبق عليه منهج الناقد، وعملي هذا قائم على إثبات منهج الناقد وإمكان تطبيقه على الأعمال الأدبية مختلف فكل ناقد له منهج يختلف عن منهج الناقد الآخر، وقد يحصل اتفاق في بعض نقاط تلتقي عندها بعض المناهج، وخطة الكتاب تتكون من مقدمة وخمسة أبواب، هي:
الباب الأول: مناهج نقاد من القرن الثالث، ويحوي تسعة فصول هي:
الفصل الأول: منهج محمد بن سلام الجمحي، توفي الجمحي سنة (231هـ).
الفصل الثاني: منهج ابن السكيت، توفي ابن السكيت سنة (246هـ).
الفصل الثالث: منهج الطوسي، توفي الطوسي سنة (250هـ).
الفصل الرابع: منهج الجاحظ، توفي الجاحظ سنة (255هـ).
الفصل الخامس: منهج السكري، توفي السكري سنة (275هـ).
الفصل السادس: منهج ابن قتيبة، توفي ابن قتيبة سنة (276هـ).
الفصل السابع: منهج المبرد، توفي المبرد سنة (285هـ).
الفصل الثامن: منهج ثعلب، توفي ثعلب سنة (291هـ).
الفصل التاسع: منهج ابن المعتز، توفي ابن المعتز سنة (296هـ).
الباب الثاني: مناهج نقاد من القرن الرابع ويحوي سبعة فصول هي:
الفصل الأول: منهج ابن الأنباري، توفي ابن الأنباري سنة (328هـ).
الفصل الثاني: منهج قدامة بن جعفر- توفي قدامة بن جعفر سنة (328هـ).
الفصل الثالث: منهج النحاس، توفي النحاس سنة (338هـ).
الفصل الرابع: منهج أبي علي القالي، توفي القالي سنة (356هـ).
الفصل الخامس: منهج الآمدي، توفي الآمدي سنة (370هـ).
الفصل السادس: منهج علي بن عبدالعزيز الجرجاني، توفي الجرجاني سنة (392هـ).
الفصل السابع: منهج ابن جني، توفي ابن جني سنة (392هـ).
الباب الثالث: مناهج نقاد من القرن الخامس، ويحوي خمسة فصول وهي:
الفصل الأول: منهج المرزوقي، توفي المرزوقي، سنة (421هـ).
الفصل الثاني: منهج عبدالقاهر الجرجاني، توفي عبدالقاهر سنة (471هـ).
الفصل الثالث: منهج الأعلم الشنتمري، توفي الأعلم سنة (476هـ).
الفصل الرابع: منهج الزوزني، توفي الزوزني سنة (486هـ).
الفصل الخامس: منهج البطليوسي، توفي البطليوسي سنة (494هـ).
الباب الرابع: مناهج نقاد من القرن السادس.
منهج التبريزي، توفي التبريزي سنة (502هـ).
الباب الخامس: مناهج نقاد من القرن السابع.
منهج حازم القرطاجني، توفي حازم سنة (684هـ).
والقضية التي يطرحها المؤلف مهمة وشائكة وتعكس عمقًا لدى الدكتور الفيصل، فهذه هي المرة الأولى التي يتم التطرق فيها إلى مناهج النقاد القدامى الذين سبق الإشارة إليهم، حيث يتم طرح هذه القضية وبهذه الدقة والموضوعية التي تعكس تأني المؤلف في انتقاء المعلومة وتقييمها والتعليق عليها ومن ثم تقديمها إلى المتلقي، فكل واحد من هؤلاء الأعلام الكبار: الجمحي، وابن السكيت، والطوسي، والجاحظ، والسكري، وابن قتيبة، والمبرد، وثعلب، وابن المعتز، وابن الأنباري، وقدامة بن جعفر، والنحاس، والقالي، والآمدي، والجرجاني، وابن جني، والمرزوقي، والشنتمري، والزوزني، والبطليوسي، والتبريزي، والقرطاجني، يمثل جامعة في علوم اللغة ومن هذا المنطلق تبرز أهمية هذا الموضوع في اتساعه وتشعبه وتعقيد مادته، يقول الدكتور الفيصل في خاتمة الكتاب: «هذه الدراسة نتاج سنين عديدة صحبت فيها هؤلاء الأعلام ومناهجهم فعشت مع محمد بن سلام الجمحي أتتبع أخباره ومنهجه وأستقصي ما كتب عنه، وصحبت ابن السكيت وبحثت عن منهجه وقرأت كل حرف كتب عن الطوسي، واتجهت إلى الجاحظ ومنهجه ومن يلم بما كتب عن كاتب العربية وناقدها ولكنني مع ذلك جعلت العزم مطيتي والحزم مرافقي، فألممت بما أريد من استخلاص منهج الجاحظ، وانتقلت إلى السكري أستقصي أخباره وأجمع شتات منهجه، وخرجت من بحر العلم إلى من سما بالعربية وشعرها وأخبارها فتتبعت منهج المبرد حتى رضيت بما أصبت ومن المبرد إلى ثعلب رفيق المبرد في النقد وفي خصائص العربية فثعلب صاحب المنهج الدقيق والإخلاص للعلم، وغادرت منهج ثعلب إلى منهج ابن المعتز ومنهجه في البديع.
وانتقلت من القرن الثالث إلى القرن الرابع فبدأت بإثبات منهج ابن الأنباري، فمنهج قدامة بن جعفر ثم منهج النحاس، وأثبت منهج أبي علي القالي، وانتقلت إلى منهج الآمدي فمنهج علي بن عبدالعزيز الجرجاني، وختمت الباب بمنهج ابن جني ومن القرن الرابع إلى القرن الخامس حيث وضعت في هذا الباب مجموعة من مناهج النقاد هي منهج المرزوقي ومنهج عبدالقاهر الجرجاني ثم منهج الأعلم الشنتمري فمنهج الزوزني، وبعده منهج البطليوسي حيث ختمت الباب بهذا المنهج.
وأثبت في الباب الرابع منهج التبريزي، كما أثبت في الباب الخامس منهج حازم القرطاجني.
ولا أدعي أنني أوفيت هذه القرون حقها فقد فاتني الكثير، فما بين التخطيط للكتاب والانتهاء من كتابته تجد آراء وتتوارد خواطر، وينداح الفكر في غمرات لو وقف عندها الباحث لما أنجز كتابه فالرؤى ليس لها حدود وطرق الفكر ممتدة إلى غير نهاية، فحسبي أنني أسهمت بسهم في بحر النقد وأبحرت بسفينتي في لجة العلم، فما خاض أحد في بحور العلم ووصل إلى نهايتها.
ويعلم الله أنني صحبت المكتبة العربية سنين عديدة فكل فصل من فصول الكتاب احتاج إلى وقفات ووقفات، فمادة الكتاب متنوعة ومصادره كثيرة، ومواردها ليست في بئر واحدة، فمن هنا تكمن الصعوبة، فالمشقة في البحث عن المصادر صحبت الباحث ولولا التحلي بالصبر والإصرار على إنجاز هذا العمل لما وصلت إلى النتيجة التي أرغب في الوصول إليها، ومع أن مكتبتي تزخر -ولله الحمد- بالمصادر المتنوعة إلا أن البحث يفرض على الباحث جزئيات لا تتوافر لديه، وإذا علمنا مكتبات الجامعات والمكتبة الوطنية قد تفتقد الكتاب الذي يبحث عنه الباحث عذرنا المكتبة المنزلية في عدم استيفاء كل ما يريد الباحث، وفي الأخير أشكر الله على إنجاز هذا العمل الذي يُضمُّ إلى أعمالي السابقة فهو لبنة جديدة في بناء ابتدأته قبل أربعين سنة، فكتابي شعراء بني قشير طبع في مطابع عيسى البابي الحلبي سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة وألف لهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أكرر الشكر والحمد لله على إنجاز العمل فهو المنعم بالصحة فبدون الصحة لا يتحقق للمرء ما يريد».
وفي نهاية هذه الرحلة في هذا الكتاب نتمنى للمؤلف العلم الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل، رائد تحقيق الشعر العربي، المزيد من العطاء العلمي والثقافي والفكري.