د. عبدالحق عزوزي
في مقالتنا للأسبوع الماضي، أكدنا أن الذكاء الاصطناعي هو -قبل كل شيء- مبحث علمي تقني تتسارع البلدان للاستثمار فيه لأنه صار سلطة مؤثرة في تخليق أكبر الثروات في عالمنا المعاصر. وفي هذا الصدد شهد مقر الجامعة الأورومتوسطية بمدينة فاس في المملكة المغربية، افتتاح المقر المخصص لأنشطة كرسي الإيسيسكو «المرأة في العلوم: الذكاء الاصطناعي والمستقبل»، بهدف تعزيز الأبحاث العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتشجيع مشاركة الفتيات والنساء في هذا المجال، وترسيخ ثقافة الاستشراف؛ وفي كلمته خلال الافتتاح، أعرب الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، عن سعادته ببدء أنشطة الكرسي في الجامعة الأورومتوسطية، التي تعتبر واحدة من أهم الجامعات التي اتخذت موقعها المتميز بين جامعات العالم الإسلامي. كما وقعت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، والجامعة الأورومتوسطية في فاس بالمملكة المغربية، اتفاقية إنشاء كرسي الإيسيسكو للفنون والعلوم والحضارات في الجامعة، بهدف تطوير الإنتاجات العلمية ذات القيمة المضافة في مجال الفن والفكر والترويج لها.
وقد أشار الدكتور مصطفى بوسمينة، رئيس الجامعة الأورومتوسطية إلى أن 51 في المائة من العاملين بالجامعة نساء، وأن الطالبات متميزات في الدراسة، موضحاً أن كرسي الإيسيسكو العلمي سيساهم في تحقيق المساواة بين الجنسين، من خلال بناء قدرات الشابات وتعزيز وجودهن ومساهمتهن في مجال الذكاء الاصطناعي، ومواصلة العمل في المجالات الجديدة.
والحقيقة أن الجامعة الأورومتوسطية التي تضم 43 بلداً عضوة في الفضاء المتوسطي، وأتشرف بكوني واحداً من المؤسسين وعضواً بمجلس إدارتها، يمكنها أن تفتخر بعاملين اثنين. أولا كون رئيس الجامعة صديقي الدكتور مصطفى بوسمينة هو واحد من كبار علماء الفيزياء في العالم، وهو أستاذ لامع تخرج على يديه العديد من العلماء؛ وهو صاحب العشرات من براءات الاختراع والمئات من الأبحاث المصنفة وله سمعة علمية طيبة في العالم؛ ويتوفر على سيرة ذاتية قل نظيرها؛ فهو إما عضو أو رئيس لعدة أكاديميات عالمية للعلوم والتكنولوجيا، ومدير عام سابق بإحدى المعاهد العلمية الكبرى بجامعة لافال بمنطقة كيبيك (كندا) كما حصل على عدة جوائز دولية، واختير دائماً من طرف أهم الجامعات العالمية كواحد من أفضل العلماء في مجال الفيزياء في العالم.
وثانياً فالجامعة وإن كانت لها تخصصات متعددة فإنها نجحت في التموقع كقبلة متوسطية وإفريقية وعربية في تكوين أجيال المستقبل في التخصصات التي ستفيد بلدانها وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي وهو ما يمكن أن نستنتجه من استضافة كرسي الإيسيسكو «المرأة في العلوم: الذكاء الاصطناعي والمستقبل»، وذلك في رحاب الجامعة. فربح رهان المستقبل هو قائم على الاستثمار في مجالات استراتيجية وعلى رأسها الذكاء الصناعي.
ومن أراد أن يطلع على ما فوق حشائش وتحت حشائش الذكاء الاصطناعي، فليقرأ كتاباً ألفته الدكتورة مارغريت بودِن (Margaret Boden)، الأستاذة المخضرمة رئيسة قسم العلوم الإدراكية والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي في جامعة سسّكس البريطانية. والكتاب بعنوان «الذكاء الاصطناعي: مقدّمة موجزة»، وقد نشرته جامعة أكسفورد.
والدكتورة بودن لها خلفية أكاديمية واسعة في هذا المجال، ولها أبحاث دولية معتمدة من قبيل: «عقول وميكانيزمات» (1981)، و»الذكاء الاصطناعي في علم النفس: مقالات مشتبكة الاهتمامات» (1989)، و»العقل الخلاق: أساطير وآليات» (1990)، و»فلسفة الحياة الذكية» (1996) إلى غير ذلك.
ويضم كتاب بودِن عن الذكاء الاصطناعي مقدمة وعدة فصول. يتناول الفصل الأول المعنون بـ»ما الذكاء الاصطناعي؟» مقاربة تعريفية ذات طبيعة إجرائية للذكاء الاصطناعي. وهنا، يتم تمييز الذكاء الاصطناعي إلى ذكاء اصطناعي ضيق (Narrow AI) وذكاء اصطناعي عام (General AI) يكتب في العادة AGI في أدبيات الذكاء الاصطناعي. ويتناول الفصل الثاني موضوع الذكاء على أساس رؤية علم النفس المعرفي، ثم تفردُ المؤلفة جزءاً كبيراً من هذا الفصل للبحث عن الكأس المقدسة في الذكاء الاصطناعي، والمقصود بهذا البحث بلوغ مرحلة الذكاء الاصطناعي العام وخوارزميات التعلم العميق للآلات، وهذه هي المرحلة التي قد تقود لنشوء متفردة تقنية تتقدم فيها القدرة الآلاتية (الروبوتات) على مقدرات الكائن البشري، على الأصعدة المعرفية والذكائية وقدرة معالجة البيانات الضخمة. أما الفصل الثالث فيتناول موضوعات (اللغة، والإبداع، والمشاعر) التي هي في جوهرها موضوعات تنتمي لحقل علم النفس العام والمعرفي....