د. أحمد بن محمد جعوني
الإنسان بطبيعة حياته كائن بيولوجي تمر عليه ظروف قاهرة عبر العصور؛ جراء التغيرات المصاحبة له، ويتجاوزها من خلال قوة عقله ونضج فكره وإيقاظ قدراته للنهوض لمواجهة التحديات التي تواجه عيشه، لذا فالإنسان يعيش في هذه الحياة بين الصراع والائتلاف، وبين الاختلاف والانسجام، وبين التعب والراحة.. هكذا هي حياة البشر.
وعندما نتحدث عن التنمية الذاتية، فهي حياة الإنسان وكرامته وإشباع احتياجاته الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، التنمية هي الإنسان، التنمية هي القيم، والحضارة والتنافس، فكيف إن كانت لذاتك؟
إن مصطلح التنمية ليس جامداً بل متحرك ومرن، والحياة ذاتها تسير بحركة ديناميكية دون توقف، وتنمية ذواتنا إن لم نبدأ من اللحظة في تطويرها سنبقى نؤجل، والسعادة لن تأتِي سائرةً إليك دون عناء التغيير!
مراعاة حياتنا والتكيف مع أوضاعنا ومكافأة ذواتنا المكافأة المعنوية الحقيقية هي في صنع أيدينا وهي أقل تكلفة مما نتخيله في الماديات، نريد أن نثبت لذواتنا أننا قادرون وليس على أحد إنما لأنفسنا فقط.
تعترض الإنسان تجارب في معترك الحياة فيعيشها كما يرى إما بحب أو بضغينة، إما بتكيف أو بتعسف، هو من يحدد لذاته تكوين طريقة التعامل مع المواقف من خلال صقل شخصيته وتنمية ذاته.
الإسلام تنمية، الوالدان تنمية، الإخوة تنمية، الأخوات تنمية، الأسرة تنمية، المسجد تنمية والتعليم والإعلام والرفاق وغيرها تنمية والمستفيد ذاتك أنت فقط! متى نستغل كل لحظة بالنظر لمواقف الحياة وجعلها تدريباً.
نريد أن نوسع من مداركنا أننا خلقنا في هذه الحياة ليس لرغد العيش فقط فهي أيضاً تمر بالتغير لا محالة، والإنسان سيد أفكاره وهو من ينمي شخصيته ويشكّل ظروف بيئته ومسيرته، وإن كان للتربية سهم في البناء الذاتي والفكر المعنوي، فالإنسان يبدأ حياته في كنف أسرته وتتحدد ملامح شخصيته من النمو في الأسرة المتكون من الأحداث البيولوجية وهو ذاته المحيط الذي يتكون منه النمو النفسي والاجتماعي. والأسرة تتبنى الدور الأساسي لتنمية الفرد فهي من تضع لبنة الهوية وتبني الثقة الفريدة وترفد بالقيم الأصيلة وتسند الشعور بالتعامل مع مواقف الحياة العصيبة وتعلم المهارات الجديدة والتجارب العديدة، فالفشل بداية طريق النجاح، والإخفاق بداية طريق التعلم حيث الحديث الشريف (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم...)، ولكي تساهم الأسرة في ذلك كان عليها إيقاظ ثقة أفرادها بقدراتهم والاستماع لهم لتطوير الثقة بالنفس، وتكوين ذلك بالقدوة من أركان الأسرة من حيث عدم التذمر من الأخطاء المتكررة واحتوائها، والتشجيع على التجارب الحميدة والجديدة واكتشاف المواهب والبحث عمّا في دواخلهم من شغف الأشياء ودعمها وتوجيهها، وإعطاء المسؤولية المناسبة لأعمارهم، ودعم النقص وكثرة الثناء والحوار البناء وإظهار شغف الحب في كل الأوقات ونقد الأخطاء ذاتها لا ذوات أصحابها.
إن تنمية الأبناء التنمية السليمة وتربيتهم التربية الفريدة، وغرس القيم الحميدة مهمة من حيث دعم الهمم لاستقرار حياة الأفراد في المراحل المتفاوتة، ولأجل تحقيق جل الحاجات النفسية والاجتماعية حتى تساعدهم في استمرار النمو النفسي والاجتماعي لمحاولة الاعتماد على الذات وتنميها، فالثبات الأسري وتحقيق الحاجات والرغبات تجعل لدى الأفراد عائداً متيناً من حيث الاعتماد على الذات لتحقيق الأمنيات.
الجميل في كل ذلك أن دورة الحياة ما زالت مستمرةً وقطار الحياة لن يتوقف والأمل قائم والقادم أجمل لكل الفئات من الولادة إلى الشيخوخة، وكل ما نحتاجه الوقوف اللازم مع أنفسنا وتقييم ذواتنا لنقاط القوة والضعف ووجود الرغبة الجادة في التغيير للأجمل فهنا تكمن أولى خطى النجاح.
إن إحدى خطوات الإقدام للنجاح في تنمية الذات هي تجريد الماضي ومعايشة الحاضر والتخطيط للمستقبل، فكما أن للفشل ألماً حسيّاً فإن للنجاح لذة وابتهاجاً وارتياحاً وانشراحاً في كل ذرة من ذرات التقدم فهو من يشعرنا بتقدير الذات، ولكنه لا يأتي إلينا إنما نحن من نسعى إلى ذلك من خلال شجاعة التغيير والتعلم الجديد والمستمر، والعيش بواقعية، وتدعيم العلاقات الإيجابية والعمل بقاعدة التعامل الإيجابي والتغلب على السلبية لكل مواقف الحياة وتنظيم الوقت، والانضباط الذاتي وتدريب النفس وممارسة الرياضة، والقراءة وصولاً إلى التقويم وإجراء التشخيص الذاتي، فأنت أنت من تصنع لنفسك نجاح ذاتك في كل يوم من أيام حياتك، فكلما كان لديك تقدم زاد معيار الثقة بالذات، وكان الأثر الكبير للاجتهاد للتقدم للأمام وعدم الاستسلام.
التفكير في الأهداف الخاصة بك في كل يوم وحساب مراحل تقدمك تجعل لك نصيباً من الحديث مع ذاتك، والتخطيط الهادئ لها، الاهتمام بدينك وبصحتك ومساعدة الآخرين والتطوع، ومحاولة تقليل المخاطر والابتعاد عن السلبيات وغيرها أمور تنمية ذاتية، فالفرد هو من يجعل من نفسه السيطرة على الإيجابية المستمرة حتى يتأثر ويؤثر بها.
التغيير حتماً سيأتي إن سعيت له، لكنه يحتاج إلى شيء من الصبر والتعود، كما اعتدنا على بعض السلبيات وصبرنا على ألم قربها، نحتاج إلى شيء من ذات الألم حتى نحيدها ونجعلها تتلاشى، فلا يمكن قطف التفاحة دون الاهتمام بتربتها وسقيها تدريجياً حتى تنضج، وكذا فالتعثُّر لا يعني طريق الرجوع والاستسلام، فالمحاولة بحد ذاتها قوة، والفشل بحد ذاته بداية، والتفكير للأفضل قرار أنت من تصنعه، وهو أسهل درجات تنمية الذات، ثم التخطيط والتنفيذ محك النجاح ذاته، وهو طريق الوصول لتنمية ذواتنا وتحقيق أمنياتنا.
أخي القارئ اسمح لي أن أقول لك: إن جميع أمور حياتك تتوقف على قراراتك، فأنت من تصنع بدايات التغيير، وأنت من تقيم نفسك وتكوّن لها مكملات التنمية لذاتك، فالأمنيات لا يمكن أن تتحقق وأنت تقف في مكانك، البداية حان وقتها في جل شؤونك المعنوية لتحقق كل أمانيك الذاتية فأنت تستحق.
** **
- أكاديمي متخصص