أحمد بن عبدالله الحسين
كتاب «حياتي بين دروب العلم والعمل» الذي تضمن ثلاثمائة وستاً وعشرين صفحة (326) تلمست تصفحه حينما أُهدي إليَّ بتقريض الدكتور أحمد بن عبدالله المالك، فجذبني محتواه وترتيبه وإخراجه الشيق فاندفعت متأملاً لأقرأ سطوره وأغور في تلافيف سيرته.
المؤلف في كتاب «حياتي» ألقى في وعاء الزمن سيرته الذاتية ومحطاته الحياتية وأرشيف ذكرياته، التي تألقت بتفاصيلها وكأن التدوين لازمه منذ ولادته.
بل أظهر الكتاب امتلاكه مهارة الكتابة السلسة الجاذبة المُعبرة، وكأنه في كتاب حياتي أراد توثيقًا وتقييداً لصيد ما مرَّ عليه في عمره ليربطها بحبال واثقة متمثلاً وصف القائل:
العِلم صيد والكتابةُ قَيْدُهُ
قيِّد صُيُودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أنْ تصيد غزالةً
وتتركها بين الخلائق طالقة
الدكتور المالك ابن مدينة الرس في القصيم حيث مولده عام 1937م، والتي أشربته النشأة الأولى وألهمته طموحًا تخطى فيها العلائق والعوائق ليخوض تجارب العلم والدراسة، حيث بدايتها الرس ثم انتقل إلى جدة والطائف والرياض ثم دولة مصر حيث تخرَّج منها في الكلية الحربية.
بعدها توجه إلى أمريكا ليُكمل بنيانه الأكاديمي بتحصيل الماجستير والدكتوراه متخصصاً في الاقتصاد والرياضيات.
وكان بهذا الإنجاز له السبق الأول بين أبناء مدينة الرس. صاحب هذا الارتقاء المُميز الأكاديمي خوضه ميادين العمل المتعددة والمتنوعة وهو شغوف باذل. فكان معطاءً مدرساً ومعلماً في مدرسة سلاح الإشارة في الطائف، واحتضنته وزارة الدفاع محترفاً لمدة قاربت التسع والعشرين سنة، تدرج خلالها بالرُّتب والمهام تعددت وتكاثرت تحدياتُها، منها مهمة أوائل عام 1962م في دولة الكويت ضمن قوات أمن الجامعة العربية بعد تهديد عبدالكريم قاسم حاكم العراق آنذاك في اقتحامه للكويت.
أما المسار الوظيفي الآخر للدكتور المالك بعد وزارة الدفاع هو التحاقه بمؤسسة النقد السعودي لمده خمس عشرة سنة، حيث مارس دوراً حيوياً كنائب محافظ في هذه المؤسسة ذات الركيزة الاقتصاديه في المملكه العربية السعودية.
هذه المُزاوجة والتحولات في شَرَه العلم والعمل وتراكم الخبرات العسكرية والمدنية أكسبته عمقًا رياديًا وقياديًا، تمثل بعطاءات تمايزت في مراحل عمله في قطاعات الدولة في كلِّ ما أُنيط به من مهام داخل المملكة وخارجها حينما كان ممثلاً للمملكة، زائراً الدول العربية وأمريكا وأوربا وبلاد آسيا أثناء ترؤسه أو عضويته لمجالس إدارات ذات بعد اقتصادي، إذ ترك أثرًا ناطقًا في حبه وانتمائه لوطنه.
الدكتور المالك يُذكرني منذ عرفته وما حفزني في كتابه وكأنه يخاطب لمن أراد معرفته أن يُسمعه:
قل للذي أحصى السنين مفاخرًا بها
ليس السرّ في السنوات
لكن كيف لك أن تعيشها عمقاً وغرزًا، فالأعمار تُقاس بمساحات العطاء التي نحصدها.
كتاب حياتي للدكتور المالك سطَّر فيه بانورامية ماتعة ترى مشهدًا روائيًا تداخلت أحداثه، بل يجذبك استنهاض قلمه لذكريات ساقها بحلقات لها تراتيب مع مراحل عمره الذي بلغ به العقد التاسع، ولا أبالغ إذا قلت وكأنك ترى في سردية الكتاب شخوصًا على خشبة مسرح يؤدون سيناريو سيرة حياة.
كُتب السِيّر فيها عِبر وهي امتداد للمعرفة يتعلمها الناس لأخذ أوفرها نفعاً، سيما إذا كانت القيم تتماثل قولاً وعملاً، وتأنس في كتاب حياتي طراوة ما تشربه الكاتب من القيم الأسرية وإبراز مناقبها والثناء على ترابطها ليشمل الزوجة والأبناء والوالدين والأرحام والجيران والنَّاس الذين تعامل معهم، وصاحب كل ذلك تواضع وتؤدة لا يُغيرها مال وجاه، فهنيئاً لمن يعطي ولا يتحدث عن عطائه، ويتكلم قليلاً وهو يعرف الكثير.
ومن القيم التي تنال حظها وعلّ كاتبُنا حرص عليها، وهكذا أُميزه منذ عرفته الصراحة والشفافية التي تُقال في حينها بُغيه الخير والتسديد بلا غرور أو تمويه وتملق.
ازدان كتاب حياتي بإلحاق صور توثيقية لأرشيف ترابط مع الكاتب وكأنها معه كالطوق في المعصم.
وأختم
إن قطوف ما قرات من كتاب حياتي بين دروب العلم والعمل، هي ما دنا منها لي وتذوقته، وهنالك المزيد بين سطور الكتاب أغصانها تتدلى لمن أراد ثمارًا لينال منها دروساً وعِبَرًا.
وقليل من الكُتاب من يزرع قلبه على الورق ليُنبت في قلوب الناس.
وحالي مع الصديق دكتور أحمد بن عبدالله المالك يُرسل صدى قول:
أبلغ عزيزًا فى ثنايا القلب منزله
أنى وإن كنت لا ألقاه ألقاه