مدخل وتعريف
تقول الكاتبة عقيلة آل حريز: «لمن لم يجد بالقرب منه صوت محب يسأله بعد حوادث موجعة مر بها: كيف حال قلبك اليوم؟! أهدي بعض الكلمات.. لعلها تكون بداية أمل ونجاة» ص9.
وتقول ثانية: «أنا هنا لأريح بعض المتعبين وأزيل همومهم» ص14.
ومع أولى صفحات كتابها كتبت لي إهداءً:
د. يوسف العارف.. أكثر ما يثير إعجابي في هذا العالم.. أولئك الذين حولتهم الهزائم إلى شعراء». عقيلة آل حريز 5 فبراير 2021م.
وفي 13 فبراير 2021م شكرتها على الإهداء ووعدتها بالقراءة فردت قائلة:
«قلب كبير مليء بالحب يحتفي بك».
ومن هنا بدأ التشابك المعرفي مع هذا الكتاب الذي لم استطع -للوهلة الأولى- أن أصنفه أجناسياً.. أهو رواية أم مجموعة قصصية، أم دراسة وبحث في العلاقات الإنسانية!؟ ولكن بعد جهد اقتنعت أنه سردية متعالية فوق التصنيف.. فهو عبارة عن قصص واقعية إنسانية عاشتها وتفاعلت معها المؤلفة -بحكم عملها- ثم صاغتها بلغة أدبية، في رؤية تحليلية نفسية واجتماعية تستبطن المشاعر والوجدانيات عبر فضاءات لغوية وأساليب بيانية!
إذا كان هذا التعريف ينطبق على ما بين أيدينا فهذه أولى النبوءات وهذا ورق التين يبوح!
***
(1) المنجز - أعلاه - هو الموسوم بـ(كيف حال قلبك؟ ذاكرة اختصاصية في العلاقات الإنسانية والمشاعر - القلب والحب معاً) للمؤلفة الأديبة القاصة والكاتبة عقيلة محمد حسن آل حريز، صادر عن مكتبة المتنبي، في طبعته الأولى 1442هـ - 2021م. وتشير المؤلفة - في إحدى عتباته الموازية - إلى أن هذا الكتاب حالات واقعية ارتسمت في الذاكرة خلال عملها كاختصاصية في مجال العلاقات الإنسانية، وقراءاتها للواقع الاجتماعي للنفس البشرية وتباينها، فوصلت -من خلالها- إلى الكيفية التي يتعامل الناس مع مشكلاتهم الحياتية، ومواقفهم تجاهها، والعلاقات التي تجمعهم حتى يصلوا إلى ساحة الاطمئنان وصياغة التكييف وتحقيق الأهداف باعتمادهم نظرية الأمل! ص12.
وعبر (ثلاث وثلاثين) حالة، حولتها الكاتبة إلى قصص مجتمعية واقعية تتسيدها الحالات الأنثوية بما يعادل (22) حالة مقابل (11) حالة ذكورية، وتتقاسمها مشكلات الحب، والزواج والطلاق، الصداقة والفراق، وتتوجها المؤلفة بأسلوبها السردي الشيق، ومعجمها اللغوي الشائق، اللذين يسيران في نظام معرفي دالٍ على الخبرة الكتابية، والفضاءات الأدبية، يأنس لها القارئ لأنه يجد بين يديه مرتكزين محددين أولهما: المشكلة المجتمعية مصاغة بأسلوب الشاكي صاحب الشكل - يعرض حالته، ويعرف بمشكلته، ويطلب الاستشارة أو الحل الذي لا يتأخر كثيراً فيكون المرتكز الثاني مصاغاً بأسلوب الاختصاصي الاجتماعي تارة والنفسي تارة أخرى، فتُصنَّف المشكلة، ويُقْتَرحْ الحل أو العلاج أو رسم المسار الصحيح لردة الفعل لمواجهة تلك المعضلة!
وفي كلا المرتكزين تفاجئك السردية المتعالية وقوالبها القصصية، ولغتها الثنائية بين صوتين - صوت الحالة، وصوت المختصة اللذين يتحدان في سمات دالة على الفونيمية التي تتقنها الكاتبة القديرة عقيلة آل حريز.
***
(2) تستوقفك في هذا الكتاب المسألة العتباتية التي جاءت في صور متعددة:
- صفحتا الغلاف وحمولاتهما اللونية والكتابية والصور الدالة.
- صفحتا العنوان الداخلي والإهداء لي.
- صفحتا الردمك وحمولاته الخاصة بالدار الناشرة.
- صفحتا الإهداءات.
- صفحة الإيضاحات والتحذيرات.
- صفحة المداخل التعريفية للقضايا والحالات المعروضة.
وسنكتفي بمقاربة العتبات الثلاث الأخيرة. ففي عتبة الإهداءات نجد مداخل إهدائية تجديدية لا تذكر الكاتبة فيها عنوان الإهداء، ولكنها تمل دلالاته وإشاراته، فعلى الصفحة (9) نجد عنواناً لافتاً (من القلب) وهو بمنزلة إهداء الكتاب عبر ثنائية الأنا - المؤلف (المُهْدِي)، الآخر الذي كان السبب والباعث لهذا الكتاب (المُهْدَى إليه). وبعد التفصيلات يحصل الإجمال:
- لكل الحالات التي مرت (بالمؤلفة) طوال سنوات العمل المهني.
- لكل من وقفت (المؤلفة) على وجعهم بكلمة أضاءت سبلهم.
- لمن لم يجد من يسأله بمحبة: كيف حال قلبك اليوم؟!
وهنا نجد الجملة التي تحولت إلى عنوان آخر (إلى قلب أمي) وهذه إشارة واضحة إلى حذف كلمة (إهداء) قبل العنوان ولكنها تذكرها في كل فقرة:
- إلى المرأة التي...
- إلى التي وضعتني..
- إلى أمي التي منحتني..
وتختمها بالجملة التأكيدية: إليها - الضمير يعود إلى الأم - وإلى والدي...
ولعل الملاحظ هنا تلك الصفات والمواضعات والتعريفات بالأم (المهدى لها)، وهي صفات عالية (لأم) مثالية صنعت من ابنتها (المؤلفة) ذاتاً مثقفة قادرة على التعبير والإنتاج المعرفي بينما يجيء (الأب) خلواً من أي تصنيفات أو معرفات وتكتفي عبارة الإهداء بالقول (وإلى والدي)!
واضح جداً من هذه العتبات العنوانية الانحياز إلى المرأة أضف إلى ذلك أن المؤلفة من نفس الجنوسية فلا نستغرب أن تكون (كل الحالات) أو (أغلبها) نسوية بما يعادل 22 - 11 كما مر معنا سابقاً.
وفي عتبة الإيضاحات والتحذيرات على الصفحات 12 - 14 نجد (المؤلفة) تقدم لقارئها تبريراً وتسويفاً لاختيارها عتبة العنوان الرئيس، وللحالات التي اختارها قلمها لتكون مادة للعرض والعلاج، فهي تؤكد في (إيضاحاتها) أنها تعمل في قلوب البشر والنفس الإنسانية التي تتحول وفق ظروفها وحالاتها وأطوارها وتغيراتها المختلفة والمتباينة. ومن خلال هذا العمل المهني والاستشاري نقلت الحالات الاجتماعية التي احتوى عليها هذا الكتاب.
كما تؤكد في (إيضاحها) أنها حالات واقعية من المجتمع تمثل شيئاً من التجارب الإنسانية، وألقت عليها الضوء العلاجي المستمد من خبراتها وقراءاتها وأدبياتها الاستشارية.
وأما عتبة (التحذير) ففيها كلمات وعبارات تخصصية وتوجيهية ومؤشرات نفسانية تلمح ولا تصرح، وتشير ولا تفصل، لتتشكل بعدها غاية هذه (العتباتية) في التهيئة النفسية للقارئ حتى يدخل إلى أجواء الكتاب.
ونصل الآن إلى العتبة الأخيرة التي اخترنا مقاربتها ضمن مبحث العتبات وهي عتبة (المداخل التعريفية التي تسبق كل حالة). وهي عبارة عن ملخص أو مختصر أو تغريدة للحالة أو المشكلة المطروحة للتشخيص والعرض واقتراح الحل والعلاج وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعنوان المختار لهذه الحالة - المشكلة أو تلك. وقد جاءت في 33 حالة - عنواناً - وعبارة مختصرة تعريفية أو مدخلاً جاذباً للقراءة والتوسع ينبئ عنها بصفحتي الفهرس والمحتويات.
ولعلنا نقف مع ثلاثة نماذج من هذه (العتبة) لتحليلها وتفتيق مضامينها وجمالياتها الأسلوبية وعلاقتها بالحالة والتوجيهات المصاحبة.
فمثلاً أولى الحالات المسرودة في الكتاب ص ص 16 - 21 نجد ما يلي:
اركض بعيداً عن مواطن خيبتك (العنوان).
«في امتحان الجلد والمكابرة في الحياة كنت أنا دوماً الخاسرة، لعلي الخاسرة الوحيدة التي حملت حقائب عمرها حصىً وحجارة.. لكن الأمر لم يستحق كل هذا؛ لأني لم أعرف كيف أهزم السقطة الأولى بالنهوض». ص15.
(المدخل التعريفي - الملخص).
في هذا المقتبس نجد الحالة تتحدث عن نفسها وأنها دخلت في امتحان كلفها خسارة عمر ولكنها أدركت أنها تعلمت منها أن السقطات الأولى تحتاج إلى عزيمة جديدة لتهزمها بالتعالي والنهوض ولن يتم ذلك إلا «بالركض بعيداً عن مواطن الخيبات» وهي الجملة التي ختمت بها المؤلفة - الكاتبة هذه الحالة ص 21!
والأنموذج الثاني هو الحالة رقم (16) الواردة في الصفحات 120 - 123 وفيها نجد ما يلي:
للسعداء فقط (العنوان)
«لا توجد في حياة الإنسان نقطة للتوقف جميع المواطن التي يمر بها هي بمنزلة فواصل تحدد طريقة معيشته فيها، عليه أن يختار طريقة يمضي فيها قدماً، ثم يرتب أوراقه بحسب ما يواجهه فيها..».
(المدخل التعريفي - المختصر)
وهنا -مرة أخرى- في هذا المقتبس نلمس التواشج الثلاثي فيما بين العنوان والمختصر والحالة المدروسة، فالسعادة والسعداء هم محور الحديث في هذه الحالة.
والنموذج الثالث والأخير الذي تقف عنده هذه المقاربة هو ما جاء في الحالة رقم (33) على الصفحات 242 - 246، وفيها نجد التالي:
فائض احتمال (العنوان)
«سيدهشك الزمن حين يثبت لك صدق حدسك وضحة مشاعرك التي حاولت طويلاً تجاهلها، لتكتشف كم كانت نذير خطر ينبهك بأن أمراً ما سيقلب أركان حياتك...»
(المدخل التعريفي...)
وهنا - أيضاً - يبدو التعالق الفكري بين العنوان وعبارات المدخل التعريفي وكل ذلك يشي بما تحتويه الحالة - المشكلة وانبثاقاتها من داخل النص - المتن حيث جاءت العبارة التالية:
«فالحب في العلاقات أخذ وعطاء كما تعطي يجب أن تأخذ، فواحدهما من دون الآخر يسمى «فائض احتمال للخراب» يتسبب في تدمير العلاقة والدخول في مشكلات...».
ومما سبق يتضح جماليات العتبات العنوانية - أو العتبات الموازية إذ هي يتحلق ضمن نصوص المدونة إما شارحة أو مفسرة أو مضيفة، وذات تكثيف لغوي دال على قدرة الكاتب - المؤلفة على التسامي باللغة السردية المشعة بالفضاء الدلالي والموشومة بالتكتيك الفني، والمتجدرة في الخطابات ذات الشعرية أو الشاعرية.
***
(3) وأخيراً فإن القراءة العتباتية تُسْلِمُنا إلى ما يعرف بجماليات الخطاب السردي، الذي يتمثل في الأبعاد التالية:
* استلهام الحالة الاجتماعية الواقعية واستثمارها لتكون نصاً ومتناً سردياً وهذا يؤدي إلى ما نسميه ثنائية الواقع - الخيال الذي ينبثق من الواقعية الأدبية.
* توظيف الخبرة الكتابية - السردية، والمجال التخصصي النفساني - الاجتماعي لطرح الحلول والتفسيرات الاستشارية.
* تقمص الدور الاستشاري، وتفتيق المشكلات الاجتماعية المتعلقة بالعواطف والقلوب والمسارات الحياتية وتقديم الحلول والمقترحات لتجاوز المشكلات والتخفيف من سيرورتها.
ولعل أقرب مثال على هذه الجماليات وأبعادها الآنف ذكرها المشكلة (24) الموسومة ب(لعل القادم أجمل) ص ص 177 - 181 التي سنحلل متنها ومضمونها للوقوف على ما تحمله من جماليات!
فالمشكلة - القفصة بطولتها (أنثوية): شابة صغيرة في السن مسافرة لزيارة إخوتها في أمريكا يطرحها قدر الزوجية أمام شاب مبتعث رفيق لأحد إخوتها وهي كذلك ستكون مبتعثة فالتقى القدران فتزوجا وحصلت المفاجآت من الزوج (خشونة في التعامل، تجاهل وعدم اهتمام، انفلات أخلاقي) حاولت الصبر والتحمل، لكنها تعبت، استثمرت عودتها لتقرر الانفصال ولكنها تخشى ردة فعل المقربين من الأهل والمجتمع!
وهنا تأتي الاستشارة والمقترحات العلاجية لهذا الشكل الاجتماعي:
- لا تخجلي من أحزانك ولا تعتبريها عاراً عليك.
- التحفظ الزيجة المبكرة.
- طبيعي المعاناة والتحمل والصبر.
- ما زلت شابة والطريق أمامك لتجربة زوجية جديدة.
- اشغلي نفسك بالدراسة والدورات التدريبية.
- قوي علاقتك بممارسة الهوايات البيئية.
- تأكدي أن مثلك كثير ولست الوحيدة في هذا الحضور.
- لا تفقدي إيمانك بالله وصبرك واستبشري بالخير القادم.
بهذه الفضاءات التعبيرية، واللغة التفاؤلية، والمشاعر الإنسانية تتشكل الجزئية الثانية من المادة التي تؤطر هذا النموذج المختار للتحليل والتحليق النقدي. وجدنا فيه اكتمالاً سردياً ومعطيات دلالية تشي بالقدرة الكتابية للزميلة المبدعة عقيلة آل حريز وفي مجالات أجناسية ثقافية متعددة وهذا النوع أحد اشتغالاتها الإبداعية التي تسمي بعضها (تأملات فكرية) وتسمي البعض الآخر (مقالات أدبية وفكرية إنسانية) وتسمي هذه التي بين أيدينا (طرح وعلاج لقضايا اجتماعية وإنسانية مهنية متخصصة).
وبعد هذا التوصيف النقدي، والتتبع العتباتي نصل إلى القول الختامي بأن هذا المنجز السردي جدير بالقراءة والتعالق الثقافي ففيه الأنا - الجمعية مسكونة بالدهشة والفعل الجدير بالتثاقف الواعي، وللكاتبة القديرة مزيد التألق والإبداع... والحمد لله رب العالمين.
جدة
من 3 - 28 - 10 - 1442ه
من مساء السبت إلى مساء الأربعاء
***
(4) وثاني هذه المنجزات المعرفية ديوان شعر خفيف نظيف شفيف بموضوعه، وحيويته، ومعاصرته والموسم بصلوات! وهو للشاعر الأديب والناقد الحبب الدكتور سعد الرفاعي الصادر عن نادي أبها الأدبي في طبعته الأولى 1442ه - 2020م وهو عبارة عن مقطوعات قصيرة أو (ق.ق.ج) أو ما أسميها (شعر الومضة) بيتين أو ثلاثة فقط وإن زادت فلن تتجاوز الأربعة أبيات.
والمعروف - نقدياً - أن (القصيدة) تطلق على النصوص الشعرية المطولة فوق السبعة أبيات أو تسعة. وأن ما قل عن ذلك تسمى (مقطوعة) وتجيء سباعية - في سبعة أبيات، أو سداسية - ستة أبيات، أو خماسية - خمسة أبيات أو رباعية وثلاثية وثنائية وأقلها البيت الواحد!
ولكن شاعرنا سعد الرفاعي يختار (الثنائيات) ذات البيتين فقط أو الثلاثيات أو الرباعيات فقط وبذلك فهو يحقق شرط المقطوعات الشعرية.
والجميل هنا أن شاعرنا يختار موضوع الصلوات المباركات على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم مجالاً شعرياً «لاستحضار فضل الصلاة عليه وتعميق محبته وذكره في النفوس، وللتعبير عمّا له ولمزاياه من أثر عميق فيها» ص11.
وهذه أهداف سامية بلا شك، وخير معبر عنها هو الشعر الذي جاء هتاناً على دفقات شعورية مجدولة ومخطط لها أسبوعياً ويصدرها الشاعر كرسالة أسبوعية يرسلها لمحبيه وقارئيه ومتابعيه في الفضاء الإلكتروني ولما أخبرني بها وبمراميها وأهدافها اقترحت عليه - كما جاء في مقدمة ص 11 - أن يجمعها ويصدرها في ديوان خاص نبوي السمات، وسامي الغايات فتم ذلك حيث تبناه نادي أبها الأدبي وكتب عنه رئيس النادي الدكتور أحمد آل مريع تقديماً ضافياً جاء فيه: «وهذا الديوان... مختلف من حيث تجربته الشعرية ومختلف من حيث غرضه الذي تفرغ لأجله. فتجربته تأتي في سياق المقطوعات الشعرية القصيرة ذات التكوين اللغوي السهل... يتجاوز فيه الأدبي والجمالي بالتعبدي والشعائري وهي الصلاة والسلام على النبي الكريم...» ص8.
وإذا أبحرنا -نقدياً- في هذا الديوان المتفرد ألفيناه تجربة روحانية صافية تستجلب مكونات شعرية سابقة، تشعر معها -كقارئ- بالتناص مع شعريات ونثريات سابقة تفضي إلى الهدف والغاية وهو التذكير بالصلاة على النبي الكريم وآله الطيبين.
يقول في إحدى المقطوعات الثنائية:
صلُّوا عليه وسلموا تسليماً
صلُّوا عليه وضاعفوا التكريما
فهو النبي المستضاء بهديه
وبذكره زهت الحياة نعيما
- ص 95
ويقول في مقطوعة أخرى:
عليك نصلِّي عليك نسلِّم
فأنت النبي لنا والمعلم
وأنت بشير الهدى للورى
فصلى عليك الإله وسلم
- ص 75
وقبل ذلك في ص 32 يقول:
صلُّو ا عليه وضاعفوا التسليماً
وتسابقوا في حبه تعظيما
فالله قد أوصى بمحكم قوله
(صلُّوا عليه وسلموا تسليما)
من هذه المقتبسات يتجلى (التناص) المحكم (تناصاً) داخلياً أي بين المقطوعات بعضها مع بعض، و(تناصاً) خارجياً مع صلوات شعرية أو نثرية سابقة! وهذا جهد شعري يقترب من النظم والصنعة، ويبتعد عن الجمالية والفنية الشعرية.
ومن جانب آخر - توحي هذه الصلوات الشعرية بالتكرارية، تكرار الفكرة، تكرار اللغة، تكرار البحر والردى، تكرار العبارة. ولعلِّي أقف مع تكرار البحر الشعري فقد أوقف الشاعر ديوانه (صلوات) على البحور الخليلية عبر القصيدة العمودية البينية، ولم يترق إلى النص التفعيلي الذي يحتمل المقطوعات الشعرية القصيرة على نمط الكتابة السطرية!
أيضاً نجد ميل الشاعر إلى (البحر الكامل) من البحور الخليلية فأغلب المقطوعات بل أكثرها على هذا البحر الخفيف - الرشيف - الغنائي السلس الذي يتماشى مع روحانيات الصلاة والسلام على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
ولعلي أختم هذه المقاربة بالوقوف عند الثيمات والمواقف النبوية التي اختزلتها هذه المقطوعات الشعرية، فنجد ثيمة الصلاة والسلام على النبي الكريم هي البارزة والمتكررة والمتجدرة في كل المقطوعات، ومن أجلها بني الديوان وتتالت القصائد. وهذه الثيمة تأخذ عدة أبعاد أولها الشاعر يصلي ويسلم على الرسول، وثانيها الدعوة للآخرين والتذكير بهذا الهدف السامي وثالثها ذكر بعض مزايا المصطفى صلى الله عليه وسلم مثل إضاءة الدجى، محو الذنوب وكفاء الهموم، والحصول على الشفاعة، وفضل الصلاة والسلام... وغيرها.
ونجد ثيمة المعجزة القرآنية التي جاء بها النبي الأعظم كما في المقطوعة رقم (20) وكذلك ثيمة البعثة النبوية بعد (اقرأ) المقطوعة (27)ن ونجد ثيمة القيادة في سيرته صلى الله عليه وسلم.. المقطوعتان (59، 94)، ونجد ثمة الحصار في الشعب المقطوعة رقم (92) والهجرة إلى المدينة النبوية (92، 104، 110، 123، 127) وثيمة الجذع الذي حن لأقدام النبي الكريم وهو يخطب عليه (115)، وثيمة حفظ الحقوق والاهتمام بالجار (136، 137) وثيمة الغزوات والحروب التي خاضها ضد الكفر والمشركين (138، 139، 140، 142).
وبهذه الموضوعات التي احتواها ديوان (صلوات) واختزال تذكير بشيء من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة. ولكن شاعرنا لم يتوسع في مثل هذه الثيمات الموضوعاتية فلم نجده يقف عند غار حراء، وغار ثور، وتعذيب المشركين له ولأصحابه، وخروجه للطائف وهجرة الصحابة الأولى للحبشة وغيرها من المواقف النبوية التي يستجلب الصلاة والسلام عليه وتذكر بمواقفه وسيرته النبوية.
وعلى أي حال فقد أحسن شاعرنا في هذا الديوان الذي أعده تجرة فريدة.. فقد عرفنا المدائح النبوية، والقصائد المخصصة لسيرته النبوية ولكنا لم نجد ديواناً كاملاً مخصصاً للتذكير بالصلاة النبوية ولعل هذا دعوة للشعراء الآخرين أن يستفيدوا من هذه التجربة الشعرية، وينحوا هذا المنحى الجديد المفيد.
وهنا أقف لاستفيد من استهلال الناقد المتواري خلف الجدر الإدارية والأكاديمية رئيس مجلس إدارة نادي أبها الأدبي والأستاذ الدكتور في جامعة الملك خالد الزميل الصديق أحمد آل مريع الذي يقول فيها:
«جاءت النصوص الشعرية مختلفة برغم تجاورها وتشابهها في الغرض وذات حمولات متنوعة بحسب كل نص، فتارة تأتي في معارض الوطنية والانتماء، وأخرى في معارض التاريخ والحوادث الاجتماعية أو السيرة النبوية، وثالثة في معارض الجمال في الأشياء والموجودات والفصول والزمان والمكان... إلخ» ص 9.
وهذا ملخص مكثف ومركز عن التجربة (الرفاعية) في ديوان (صلوات) الذي تداخلنا معه في هذه المقاربة النقدية. والله من وراء القصد.
** **
د. يوسف حسن العارف - جدة - مساء السبت - صباح الأحد 3-4 - 10 - 1442هـ