عبدالوهاب الفايز
إذا أنت متعايش مع أوضاع الطرق لدينا، وأصبحت بحكم التعود تتكيف نفسيًا مع مظاهر الفوضى في القيادة (وربما أحيانًا تمارسها بدون إدراك)، مدفوعًا بصور استقرت في النظام المعرفي وتعودت عليه، إذا أنت كذلك ففي هذه راحة نفسية مؤقتة!
ولكن إذا أنت في السيارة ممن يأخذهم المشهد السريالي في الطريق إلى (الهاجوس) والإبحار في الأفكار والأحلام والتطلع إلى (سلوك حضاري للقيادة)، وتسعى للتصالح مع الحالة الطبيعية للذهن الشارد مثل شاعرنا مبارك السبيعي (سجة مع الهاجوس طبيعةٍ لي… طبيعةٍ باموت ماجزت عنها)، فأنت مسكون بالألم والمعاناة لما تراه في الطريق.. والهاجس هو (مَا يَخْطُرُ مِنْ أَفْكَارٍ أَوْ صُوَرٍ بِبَالِ الْإِنْسَانِ نَتِيجَةَ قَلَقٍ أَو حَيْرَةٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ شَيْءٍ مَّا).
أجزم أننا دائماً نتساءل: أية سلوك حضاري نتطلع إلية في ظل الوضع الحالي للسلامة المرورية؟
حتى نهاية عام 2019 إنحصرت نسبة المخالفات المرورية بحدود 90 بالمئة في أوضاع مزعجة في طبيعتها وفي عددها وهي: السرعة الزائدة، عدم ربط حزام الأمان، استخدام الجوال أثناء القيادة، الوقوف الخاطئ!
ربما بعضكم يقول: هذا الأمر عادي ولا يدعو للقلق! ولكنني أرى فيها أمرًا مزعجًا، ومقلقاً على مستقبل السلام الاجتماعي، وينذر بتطور سلوك قد يصعب التعامل مع تبعاته على سلامتنا في الطرقات. هذه المخلفات وبهذه النسبة العالية مؤشر على حالة هروب وإنكار لأهمية الأنظمة والقوانين والأعراف والأخلاقيات التي تحكم وتوجه السلوك الإنساني الحضاري في الطريق. هذا الاستنتاج تدعمه وتؤكده الحالة التي نراها كل يوم في شوارعنا وأصبحنا نعاني منها.. وتدفعنا إلى الخوف والحذر والترقب من القيادة وركوب السيارة!
لقد تأخرنا في معالجة منظومة السلامة المرورية، وهذا التأخر يجعل الخريطة الحرارية للحالة المرورية يغلب عليها المناطق الحمراء والعمياء مما يصعب الحلول الحالية والمستقبلية بما تحتاجه من معالجات سريعة لتسكين الآلام والحد من الحوادث المرورية القاتلة والمنتجة للإعاقات الجسدية الدائمة، والتي تأخذ منا نفوساً عزيزة غالية، وتجعلنا نتجرع المرارة والأسى حينما نرى من تحولهم تبعات الحوادث إلى معاقين محرومين من لذة الحياة.
ثمة مؤشرات إيجابية على جهود الأجهزة الحكومية لمحاصرة المشاكل المرورية القائمة، والحمد لله أننا سجلنا تقدمًا إيجابيًا للحد من الحوادث المميتة. وهذا التقدم لعله يكون وقود الإصرار على النجاح وتجاوز التحديات الكبيرة. الآن أبرز تحدٍ أمامنا هو العمل على بناء (التوجهات الإيجابية) التي تأخذ السلوك في الطريق إلى الهدوء والسكينة وتعلم الصبر والحلم حتى نتمكن من ترويض نزعة العنف في القيادة. في شوارعنا نرى صورة حالة عنف مخيفة للتعامل مع المركبة.. وهذا يجعلنا نصل إلى قناعة أن السيارة أصبحت بمنزلة السلاح الخطير، فلم تعد وسيلة نقل حضارية، بل أداة لتهديد الأرواح!
الذي نرجوه هو اقتناع المسؤولين الموكل لهم معالجة ملف السلامة المرورية بضرورة التحرك العاجل لمواجهة تدهور سلوكيات القيادة. الوضع القائم يمس الأمن والاستقرار الاجتماعي. إذ لدينا شريحة سكانية تجاهر في مخالفة الأنظمة والقوانين، فهذا يؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة، ويحرمنا من استثمار الطريق كمنصة تطبق فيها قيم العدالة والمساواة. ترك الناس تستنتج وتصل إلى قناعة أن العدالة لا تتحقق في الطريق مزعج ومخيف، ونرجو أن يكون حاضرًا وواضحًا في إدراكنا ووعينا الجمعي.
تدهور سلوكيات القيادة أيضًا يمس صورة بلادنا، فالزائر يُقيِّم تقدم المجتمعات وتحضرها من سلوك القيادة، بما في ذلك احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمشاة. هذا تقريبًا ما نقوم به حين زيارة الدول. كذلك الوضع القائم لن يأخذنا إلى تحقيق مؤشرات جودة الحياة التي نتطلع إليها.
نخشى أن يظل مؤشر الأداء للبعض منا في الطريق هو: لنا الصدر دون العالمين أو القبر!
حتي لا يدركنا هذا، نحتاج إلى حلول إستراتيجية للتعامل مع (النزعة إلى العنف في القيادة) على وجه الخصوص، وإلى معالجة الأوضاع المرورية السلبية التي نعاني منها. من الأمور العاجلة العادلة الضرورية التي (تحقق الصدمة للوعي الاجتماعي) هي الاتجاه إلى إعادة أصحاب المخالفات المرورية الخطيرة والمتكررة إلى برنامج لتعليم السلوك الإيجابي الحميد، وتعليم مهارات القيادة الآمنة، وبناء القدرات والمهارات اللازمة لأمور مثل: إدارة الوقت، وإدارة الضغوط في الحياة، وتعلم أداب وأخلاقيات الطريق التي نجدها في هدي ديننا وأخلاقياتنا، وآداب ومتطلبات الذوق العام.
أجزم أن غالبية من يقودون في شوارعنا لا يعرفون من قوانين المرور وتعليمات السلامة إلا خمس أو ست مواد!
نحتاج إلى قوالب جديدة للتربية الوطنية المرورية التي تحوكم السلوك الإنساني في الطريق، وتعطي الحكومة الفرصة لتطبيق الحلول المبدعة الذكية للتربية الوطنية. شوارعنا مسرح كبير نعرض فيه حصيلة السلوك والعادات والتقاليد التي نتلقاها.