علي الخزيم
المناسبة السنوية لتكريم الآباء بمسمى يوم الأب العالمي؛ هي بالغالب لا تُعرف كثيراً بالبلاد الإسلامية والعربية عموماً لأن الأمر محسوم عندنا منذ قرون خلت فالدين الإسلامي خير ما يحث على البر بالوالدين، وتكفيهم المعاني والدلالات العميقة البليغة بالآية 23 من الاسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، ثم إن العادات والتقاليد العربية الإسلامية منذ الأزل تُعَظِّم من شأن الأب والأم وما يرتبط بهما من الأخوال والأعمام، وليسوا بحاجة لمن يُذكّرهم يوماً بالسنة ليتحدثوا عنهم بالمعروف؛ والإحسان لهم بوردة أو رسالة مجاملة كما تفعل بعض أطياف بجهات الكرة الأرضية، ويقال إن فكرة يوم الأب الدولي جاءت من سيدة غربية كانت تستمع لموعظة تطرقت بثناياها للوفاء للأمهات؛ ولأنها فاقدة للأم انصرف ذهنها لوالدها وكيف تجعل له مناسبة لتكريمه قياساً على الأمهات، وهكذا تطورت الفكرة تدريجياً، ويختلف موعد هذا اليوم بين بلد وآخر، غير انه غالباً يكون من منتصف شهر يوليو، ولأن مثل هذا الحدث مُستَحدَث بالثقافة العربية فإني وكثير غيري لا نعلم أن فئات من شباب السعودية ينتظرونه للاحتفاء بالآباء يفاجئونهم بالهدايا المناسبة، وقال أحدهم إنه كان يوم الأحد الموافق للسابع من شهر ذي القعدة أو20 يوليو، لكني لم أشعر بأي حراك نحو هذه الاحتفالية بمحيطي، واحمد الله على ذلك إذ اني لا أفتقر وأسرتي لمثل هذه المظاهر المرتبطة بساعة أو يوم مُعيَّن لنُعبِّر لبعضنا عن مشاعرنا.
ومع هذا فالشكر لكل من ينظر لوالده بنظرة إكبار واجلال مهما كان وزنه وموقعه بالأسرة والمجتمع، وكما قال المَعَرِّي:
وأعطِ أباكَ النَّصْفَ حَيّاً ومَيّتاً
وفَضّلْ عليهِ من كَرامَتها الأُمّا
وهو لم ينس أمّه رغم موقفه المعروف من النساء وعزوفه عن الزواج طوال حياته، ومن أجود ما قيل للأب قول الشاعر حسين العبدالله:
يا ليتني الأرضُ تمشي فوقها فأرى
من تحتِ نعلكَ أني أبلغُ الشُهبا
مهما كتبتُ بهِ شعراً فإنَّ أبي في
القدرِ فوقَ الذي في الشعرِ قد كُتبا
ومثله قول إيليا أبوماضي:
فَأَعظَمُ مَجدي كانَ أَنَّكَ لي أَبٌ
وَأَكبَرُ فَخري كانَ قَولُكَ ذا ابني
وهنا يجدر التلميح إلى أن بعض الآباء بالمقابل قد يقسون على الأبناء بتكليفهم ما لا يطيقون اعتماداً على (أنت ومالك لأبيك)! فهي لا تؤخذ بهذا المعنى الجائر، انما بقصد التعاضد والبر المحمود، ويَحدُث ان من الآباء من يرهق أولاده بتحمل إقامة المناسبات لإشباع نزواته بالمباهاة بين معارفه، أو تجديد سيارته سنوياً أو احتكار مُرتَّب البنت ومثل ذلك من الأمور غير المرغوبة من (الأب العزيز على كل حال)، ويستجيب كثير من الأبناء لهذه الرغبات الأبوية خشية الوقوع بإثم العقوق وهو من أسوأ الخصال، وعبَّر عنه أميَّة بن أبي الصلت حين عَقَّه بعض بنيه بقوله:
غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً
تُعَلُّ بِما أُحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ
جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً
كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ