د.فوزية أبو خالد
1
يشكل انتخاب رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي لرئاسة النظام الطائفي الإيراني بحد ذاته، نظراً لما اشتهر عن الرجل من سلوك تعسفي تصفوي داخلياً، وسلوك محافظ متشدد خارجياً، ومع الريبة في نزاهة الانتخابات نفسها، مصدراً إضافياً لمضاعفة القلق فيما يتعلق بمدى جاهزية إيران لتجديد الاتفاق النووي بالتزاماته السلمية التي لم تكن يوماً من طبيعة نظام الحكم الطائفي الذي ابتلي به الشعب الإيراني والمنطقة.
2
وإذا كانت السيدة إيلى جيرانماية المحللة للعلاقات الدولية بمجلس الاتحاد الأوروبي قد شددت من خلال قراءتها لمستجدات الموقف على ضرورة الالتفات للاختلالات الجديدة التي خلقها النظام الإيراني على أرض الواقع، فيما يخص نشاطاته السرية بالمضي قدماً في مشروعه النووي إبان الفترة التي جمد فيها الاتفاق، داعية المجموعة الدولية السداسية (ما يعرف بالدول الخمس+ واحد)، للأخذ في الحسبان تلك الاختلالات، وعدم تجاهل أي تغيرات موضوعية جديدة عند العودة للتفاوض النووي مع إيران، مما قد يتطلب اشتراطات إضافية على النظام الإيراني، فإنه من باب أولى أن تتقدم الأطراف المعنية في المنطقة وأعني هنا دول الخليج بخطاب رسمي يُعمل على دعمه من الأمم المتحدة لمطالبة المجموعة السداسية بأن تضع العودة للمفاوضات في حسابها، واشتراطاتها سلوك النظام الإيراني العدواني خلال فترة تجميد الاتفاق، والذي بلغ من الرعونة السياسية والخطورة العسكرية مبلغاً وصل إلى الاعتداء على منشآت نفطية مجاورة على حيوتها للاقتصاد الدولي، ولشرط سلام المنطقة والعالم.
3
إن عبث مليشيات النظام الإيراني بمفهوم السلام، وباستقرار المنطقة من خلال خلق حالة حرب مفتوحة في أربع دول عربية لا يجب أن يعتبر صراعاً إيرانياً خاصاً مع جوارها الإقليمي، بل لا بد أن يقاس مثله مثل السلوك النووي بأنه مصدر خطر مؤكد على السلام الإقليمي والدولي ومصدر ترويع ليس للأنظمة المجاورة والنظام العالمي وحسب، بل عاملاً ماحقاً للمجتمع المدني في إيران وجوارها.
4
ليس لمتابع إلا أن يلحظ تاريخ النظام الإيراني التراكمي في محاولة ترجمة مطامعها لتحقيق هيمنة قيادية على المنطقة بالاعتماد على العمل العسكري البواح عبر قواتها المسلحة وعبر ميليشيات حرسها الثوري. فمن المحاولات الفاشلة الأولى لتصدير «ثورتها» منذ اللحظة الأولى لقيام هذا النظام الطائفي بالشروع في تهديد أمني لجوارها السعودي عن طريق تلك المحاولات الخاسرة باستغلالها لموسم الحج.. إلى فتحها لباب الصراع مع العراق بتلك الحرب الاستنزافية التي استمرت ثماني سنوات على حساب العراق ومنطقة الخليج، والتي سميت بحرب الخليج الأولى. وقد شاهدنا من العام 2001 إلى العام 2015م مناورات ليست عادلة في حق شعب إيران نفسه باسم مشروع إيران النووي من التضييق السياسي الخانق إلى التجويع، فباسم تأمين قوة نووية معادلة للهند والباكستان على حدودها الشرقية من ناحية ومعادلة نووية لدولة الاستعمار الصهيوني الذي تزعم معاداته من الناحية الأخرى، لم يجر فقط اقتطاع تكاليف المشروع النووي من أفواه الإيرانيين، بل جرى المتاجرة بالعقوبات الاقتصادية لتبرير فشل النظام في توفير حياة كريمة وآمنة للمواطن الإيراني، ومنها فشله الذريع في إدارة جائحة كورونا على مستوى داخلي، وعجزه عن أن يرقى لمستوى المسؤولية الدولية إبان الجائحة، فلم يكف لحظة حتى والعالم كله يواجه مصيراً صحياً غامضاً عن اعتداءات الجوار وتأجيج جيوبه العسكرية في سوريا ولبنان واليمن والعراق.
5
إذن لا بد في فتح ملف العودة إلى تجديد الاتفاق النووي بين المجموعة السداسية وإيران من دخول تمثيل سعودي وخليجي في المفاوضات، باعتبارهم الجار المباشر والأقرب مواجهة، والأكثر معاناة من محاولات تنمرها العسكري ميليشيا ومشروعا نوويا.
6
وإذا كان أنريكي مورا رئيس اللجنة المشتركة للاتفاق النووي قد نوه بأهمية المعطيات المختلفة لما بعد 2018م، عما كان عنه الأمر عند الاتفاق النووي 2015، فلا أظنه إلا منطقياً أن يكون للسعودية وعموم دول مجلس التعاون موقف مطالب بموقع في المفاوضات يعطي لأمن المنطقة واستقرارها وسلامها الثقل التمثيلي المستحق، وذلك من منطلق إعطاء إيران ودول الخليج أرضية للتحرك في مساحة الدبلوماسية والحوار والمساومة السلمية. Peaceful Negotiation
والواقع أن مطلب المشاركة في مفاوضات المجموعة السداسية وإيران حول المشروع الإيراني النووي، وإن بدا أمرا متعذرا سياسيا فليس مستحيلا حقوقيا وتحسبا فهو مطلب عادل يستحق الدفع به والدفاع عنه من منطلق تعظيم فرص العمل الدبلوماسي مع إيران وفرص السلام لأن نزع فتيل الخطر النووي الإيراني دون نزع نزعتها العدوانية وتحجيم ميزان قوى شهوتها لموقع القيادة الإقليمية، لن ينهي وحده سياسية النظام الطائفي الإيراني التي باتت معروفة في سلوكه العسكري لإغراق المنطقة في حروب استنزافية طويلة الأجل.
7
أي اتفاق دولي بشأن السلاح النووي الإيراني لا يجب أن يباشر، ناهيك عن البت في أمره، بدون حضور ممثل للمملكة العربية السعودية وأعضاء مجلس التعاون الخليجي كافة، يأخذ في الاعتبار الثقل الاستراتيجي لموقعهم الجغرافي ومكانتهم الاقتصادية والسياسية.
8
ليس للقوى الدولية المتنفذة وعلى رأسها أمريكا أن تقدم للنظام الطائفي الإيراني مكافأة إهدار دم الأبرياء والمدنيين في أربع دول عربية العراق سوريا لبنان واليمن باتفاق نووي، يهدئ روع دولة الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي على المدى المتوسط، ويروع دول الجوار الخليجي والعربي والمجتمع الدولي من قبل ومن بعد.