كانت هذه الآية الكريمة في ثنايا مقدمة التأبين للراحل الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله الربيعي -رحمه الله- في والدي -غفر الله له- قبل تسعة أعوام في صحيفة الجزيرة بعددها 14926، ثم استشهد بعدها بقول أبي الطيب:
وقد فارق الناس الأحبة قبلنا
وأعيا دواء الموت كل طبيب
سُبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها
منعنا بها من جيئة وذهوب
ثم أسهب -رحمه الله- في ذكر صفات والدي وخلاله إلى اللحظة التي وارى فيها أخاه الثرى فقال:
وعند الوداع الأخير وقفت أمام القبر أتساءل: وماذا بعد؟ ماذا فعلت بنا الأيام؟ أ.هـ
وتسارعت الأيام ومضت الأعوام التسعة ليتكرر المشهد فيقف ابن من رثاه على قبره ويستذكر تأبينه لأبيه.. نعم.. ماذا فعلت الأيام؟
دعاء تخالطه الذكريات لرجل ترك في نفسي عظيم الأثر.
هو من القلّة الذين أحدث رحيلهم ثلمة في حياتي فهو علم من أعلام المروءة ومدارس القيم.
الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله الربيعي غني عن دواتي ومحبرتي فهو الأديب الأريب ذو القدر الرفيع ومن أبلغ ما قيل عنه أنه (فتى المروءة) كما وصفه صاحب كتاب أعلام العصر.
رفيع في تعامله كبير في خُلقه ذو شخصية جادة يأسرني سمته وسعة اطلاعه.
عُرف بقوة الكلمة وهيبة الحضور فهو كما قال عنه صاحب كتاب ملامح عربية (رجل لا يضرب في الظلام).
علاقة الراحل بوالدي -رحمهما الله- والتي امتدت لما يربو عن ستة عقود لا أجد وصفاً لها أبلغ من قول القائل:
وكم من صديق لم يكن ذا قرابة
ولكنه في القلب دوماً من الأهل
وفاؤه لوالدي وعميق المحبة بينهما جعلت من شخصه ومواقفه ما يعيدني لأيام أبي فتخف معه وطأة الفقد.
كنت أعي منذ طفولتي أن الفقيد رجل استثنائي لما أعرفه عن مواقفه وسعة ثقافته ومعرفته بالأدب فضلاً عما حباه الله من حسن اللفظ وجمال المنطق.
ولعلي أستحضر ما أوصاني به العم عبدالرحمن -رحمه الله- بعد وفاة أبي بأن أجعل الربيعي في عيني ذاكراً أنه من أوفى الرجال لوالدي.
تأثرنا برحيلك أبا محمد ولا أجد صورة تصور الواقع إلا قول المتنبي -وأنت من عشاق شعره- حينما قال:
الحزن يُقلق والتجمّل يردعُ
والدمع بينهما عصي طيعُ
يتنازعان دموع عين مسهّدٍ
هذا يجيء بها وهذا يرجعُ
افتقدك ابني إبراهيم الذي كنت تستمتع بملاطفته ومؤانسته وتجميل غترته وعقاله وأرى في عينيه
ما لا يستطيع البوح به.
رحم الله الفقيد فما في خلجات النفس لا أستطع ترجمته بما يليق بمكانته، رحمه الله وغفر له ووسع له في قبره ويمّن كتابه ويسّر حسابه وجمعنا به في دار كرامته.
والعزاء لأبنائه الكرام فهم الإخوة لنا وهم الامتداد لأبيهم وستظل علاقتنا بهم كما أرادها والدي ووالدهم -رحمهما الله- علاقة خير وبرّ وصلة.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
** **
- عبدالعزيز بن إبراهيم الهبدان