فضل بن سعد البوعينين
بدأت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بطباعة عملة جديدة، وفرضها للتداول في مناطق سيطرتها، مع عزمها بإطلاق «الريال الإلكتروني» ليكون بديلاً للعملة الورقية. قد يكون من الصعوبة تحقيق هدف العملة الإلكترونية لأسباب تقنية، وضعف الشبكات الإلكترونية ومحدودية انتشارها، ومستخدميها، إلا أن فرض الأمر الواقع من خلال ربطها بالحوالات المالية القادمة من مناطق سيطرة الشرعية، وبسداد خدمات المرافق سيعزز إمكانية تطبيقها مستقبلاً.
طباعة عملة جديدة، وفرضها على السكان من أدوات الفصل الاقتصادي، والكشف عن مدخرات المواطنين وسحبها، إضافة إلى فرض الرقابة النقدية واستثمار السيولة المتاحة لتمويل الأنشطة العسكرية، وهي وسيلة استخدمتها الحكومات الغربية في غالبية الدول العربية بعد احتلالها في القرن الماضي. قد يكون الفصل الاقتصادي من أخطر أدوات الفصل بين الشمال والجنوب، خاصة مع وجود الدعم الغربي المستتر لجماعة الحوثي، والدعم الاستخباراتي والتمويلات القذرة المتأتية من بعض دول المنطقة، إلا أن الفصل الثقافي والمجتمعي ربما يكون أكثر خطراً مع وجود إستراتيجية «الحوثنة».
كثفت ميليشيا الحوثي الإيرانية نشاطها لـ «حوثنة» المجتمع اليمني، بعدما نجحت في حوثنة أجهزة الدولة، وتمكين أتباعها من السيطرة التامة على مفاصل الحياة. ترتكز سياسة التمدد الإيراني في الدول المستهدفة، بالإضافة إلى العمليات العسكرية والإرهابية، على التحول المجتمعي وربطه بالثقافة الإيرانية، ومعتقداتها الطائفية، وتشكيل جيل جديد يؤمن بالعقيدة الخمينية، ما يسهم في تشكيل قوة داخلية تابعة لولاية الفقيه في إيران. رفض الحوثي جميع مبادرات السلام، وتحمل الخسائر البشرية الفادحة، وإطالة أمد التفاوض ما هو إلا جزء من إستراتيجية حوثنة المجتمع وتوجيهه من الداخل لتحقيق المصالح الإيرانية مستقبلاً، كما حدث في لبنان والعراق وسوريا. ما يحدث اليوم من تحول مجتمعي بقوة السلاح والقهر سيتحول إلى ثقافة عامة بعد أن يتشربها الأطفال والمراهقون في المدارس، والأندية وجمعيات المجتمع المدني، ومراكز التدريب، والمساجد، والمراكز التجارية وستتحول مع مرور الوقت إلى جدار الفصل العقدي والثقافي بين الجنوب والشمال. ستواجه اليمن، والمنطقة، بوجود جيل جديد ينتمي إلى إيران الخمينية ولا يعترف بجذوره اليمنية والعقدية، وهو الهدف الذي يسعى الغرب لتحقيقه من خلال دعم إيران وذراعها الإرهابية في اليمن، كمرحلة مهمة من مراحل السيطرة على المنطقة.
كل يوم يزيد في عمر ميليشيا الحوثي ينعكس إيجاباً على التحول المجتمعي وخطة «الحوثنة» الإستراتيجية التي ستحول اليمن، وإن حل السلام ووقعت الاتفاقيات النهائية، إلى دولة تابعة لإيران، من خلال مؤسساتها التابعة، وشبابها المؤدلج الذي تشرب الفكر الخميني والعقيدة الصفوية.
قد تكون فكرة الريال الإلكتروني رغم خطورتها، مستبعدة اليوم لأسباب تقنية صرفة، وضعف الشمول المالي، إلا أن فرضها لن يكون مستحيلاً متى ما ربطت بسداد تكاليف خدمات المرافق العامة كالكهرباء والمياه والسلع الضرورية وتلقي الحوالات الخارجية التي يعتمد عليها اليمنيون في مواجهة الأعباء المعيشية ما يستوجب التحرك السريع لوأدها.
أجزم أن رفض الحوثيين جميع مبادرات السلام مرتبط بعقيدتهم الإرهابية التي تتحكم بها إيران، عسكرياً وعقدياً، ولا علاقة له بالمشروع الوطني المزعوم، ولا رغبتهم في المشاركة السياسية التي لا يمتلكون قرارها.
لن يتحقق أمن اليمن ووحدته وسلامة شعبه وتنميته إلا بهزيمة ميليشيا الحوثي الإيرانية، وهو أمر يحتاج إلى ثورة شعبية داخلية تطيح بهم كما أطاحت بالنظام من قبل. تتحمل الشرعية مسؤولية إنقاذ اليمن من الداخل، وهي مرحلة يجب مواجهتها وفرضها على الجميع، فجهود قوات التحالف المباركة تحتاج إلى دعم منظم من الداخل وترتيب الصفوف وتوحيد الكلمة والخروج في مواجهة الحوثي وإيران وتطهير اليمن منهم جميعاً.